الصحوة السعودية الأخرى

TT

عندما يقرأ عنوان المقال، تتبادر إلى الذهن، منظومة ذهنية بعينها و«أشكال» لشخصيات محددة، وخطاب مؤدلج له عبارات ثابتة مؤصلة، فيها كم كثير من التعصب والتشدد والغلو والتكفير. واجترار مستمر لمفاهيم جامدة بنيت على مورثات اجتماعية، وغلفت بالقالب الديني «المناسب».

ولكن الصحوة السعودية الحاصلة الآن، هي صحوة مختلفة، لأنها نابعة من مفاهيم مختلفة. مفاهيم تحترم قيمة العمل الجماعي المبني على احسان الظن في «الكل»، وليس «البعض»، مفاهيم فيها رقي وسمو في قيم الدين ومعانيه لا دنو وانحدار في الفهم الخاطئ والتطبيق الكارثي. مفاهيم فيها اكتشاف لروح الانتماء لبلد له اسم وهوية، وللمنتمين إليه حقوق، كما أن عليهم واجبات، مفاهيم تؤكد ضرورة المساهمة في تكريس موقع هذه البلاد بصورة حضارية مع سائر دول العالم، وأن يتم تقديم وجه مشرق ومتسامح وقيمي واحد لهم. مفاهيم تكرس على العمل والمساهمة التطوعية الجادة وتبين أهمية هذا كله، في بناء مجتمع سوي ومتساو.

الصحوة السعودية الجديدة المطلوبة، هي لصالح مستقبل عقلاني وواقعي. الصحوة السعودية المنتظرة ليس فيها مكان للتحقير، ولا الاقلال من أي عضو في هذا المجتمع السعودي، مهما كانت خلفيته. مجموعة الخطابات الاصلاحية المختلفة (بحسب موقعها)، والتي تضمنت جميعها رسائل واضحة عن نية «مختلفة» ترغب في نقل السعودية من واقع الى آخر، ومن حال الى حال. مشروع الصحوة، السعودي الوطني النابع من ميثاق وعهد بين الدولة والمواطن، هو فكرة آن أوانها لجمع نقاط البحث والحوار المختلفة، التي تطرق إليها عبر المناسبات المتعددة التي ناقشت وتداولت التحديات والتوجهات المستقبلية.

مفهوم الصحوة السعودية «الوطنية»، هو العنوان المنتظر لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والانسانية والثقافية، التي تم تغييبها وتأجيلها لفترات غير معقولة، بحجج وأقاويل روّج لها لأساليب سياسية في المقام الأول. ولا يمكن أن يستمر الركب الاجتماعي السعودي بين «صحوة» تفرق وتمزق، وتشتت أبناء الوطن الواحد، وينتظر استيقاظها من سباتها لينادى من جديد بصحوة الصحوة! هذا التشتيت بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان كـ«صحوي» و«إخواني» و«سروري»، وغير ذلك من الانتماءات المسيسة بعباءة الدين، أثبت الزمن أنها كانت وبالا وهماً وغماً على الناس، وآن الأوان أن يوحدوا تحت مشروع يشمل الجميع من دون تفرقة أو تحقير بينهم.

[email protected]