مرشحي لرئاسة الحكومة العراقية

TT

إذا قُدّر للتاريخ أن يعيد نفسه فإنه ـ كما يقول ماركس ـ يكون في المرة الاولى مأساة، وفي الثانية مهزلة.

وها نحن نشهد في العراق مقدمات الكوميديا السوداء التي يراد لفصولها ان تستمر أربع سنوات في بلد لم تعد فيه طاقة تحمل لأي مأساة او مهزلة.

أقطاب «الائتلاف العراقي الموحد»، الفائزون، بمزيج من الوسائل القانونية وغير القانونية، في انتخابات الشهر الماضي، يتصارعون كالضواري الجائعة على منصب رئيس الحكومة الجديدة، فيما الارهاب يضرب في كل مكان بيسر وسلاسة.. يزهق الارواح ويسفك الدماء بالجملة بكل أمان يفتقده المواطن العراقي الذي لا يعرف من أين يداهمه الخطر: من جهة الارهابيين التكفيريين وفلول نظام صدام، ام من جهة عصابات الجريمة المنظمة، ام من جهة قوات الحكومة، ام من جهة عصابات وميليشيات احزاب الحكومة وهوامشها!

أقطاب «الائتلاف العراقي الموحد» يريدون كرسي الحكم بأي ثمن وبأي طريقة.. وكل منهم يريد من غرمائه التنازل له عن كرسي رئاسة الحكومة، والا فثمة خيار جهنمي آخر هو ان تتشكل الحكومة برأسين مثل التوائم السيامية!.. ابراهيم الجعفري رئيسا للحكومة، وعبد العزيز الحكيم مرجعا سياسيا للحكومة!

«الائتلاف العراقي الموحد» يستعير تكنولوجيا الاستنساخ ليستنسخ للعراقيين النظام الاسلامي الفاشل في ايران: الحكيم في مقام الخميني او خامنئي، والجعفري في مقام رفسنجاني او احمدي نجاد، وليس محمد خاتمي بالتأكيد!

أقطاب «الائتلاف» لا يطيقون بعضهم بعضا. هذا نعرفه جميعا، وهو راجع الى صراعهم على السلطة والنفوذ... وعلى المال من وراء هذا كله، وهم مع بعضهم البعض مثل الزوجات النافرات من أزواجهن، لكن المرغمات على التزام بيت الطاعة.

أقل ما يمكن أن يقال في حكومة «الائتلاف» المنتهية ولايتها انها لم تكن حكومة ناجحة. والقسط الاكبر في المسؤولية عن هذا يعود ـ حسبما أظهرت تجربة الاشهر الثمانية الماضية ـ الى عدم توفر الكفاءة والخبرة في مجال ادارة الدولة لدى غالبية الوزراء ، بمن فيهم رئيسهم. فالطابع الحزبي طغى على التعيينات، والمصالح الحزبية الضيقة، وكذلك الشخصية، تقدمت لدى هؤلاء الوزراء على المصلحة الوطنية، وقد رأينا منهم ممارسات مشينة حقا، أولها حذف بند في القسم القانوني وآخرها التلاعب في قضية الحجيج.

في المقابل، أظهر القسم «الكردي» من الحكومة قدرة جيدة على الادارة المناسبة لهذه المرحلة. وبوسعي أن أضرب مثلا واحدا في هذا الصدد هو ان الرئيس طالباني عيّن في ديوانه مستشارين يمثلون مختلف القوميات والاديان والمذاهب والاتجاهات السياسية، ولم يكن بينهم سوى كرديين اثنين، هما الناطق الرئاسي كاميران قره داغي، والمستشار الاعلامي هيوا محمود عثمان، وكلاهما ليس عضوا في حزب الرئيس «الاتحاد الوطني الكردستاني»، بينما رئيس الوزراء الجعفري جعل ديوانه مقتصرا على خاصته المقربين، ما دفع حتى قياديين في حزبه للشكوى من هذه الحال!.. كيف له ان يتخذ قرارا صحيحا لا يسمع بشأنه ـ اذا ما استشار ـ الا رأيا واحدا هو رأي الازلام والمحاسيب؟

أظن اننا مقبلون على مرحلة يعيد فيها تاريخ الثمانية اشهر الماضية نفسه.. في شكل مهزلة سوداء هذه المرة. ومن اجل الا يتحقق هذا، وهو ليس في مصلحة احد في العراق بما في ذلك «الائتلاف العراقي الموحد» وقواه المختلفة ، فإنني اقترح، بعدما تم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية عريضة القاعدة، ان يُعهد برئاسة الحكومة الجديدة الى شخصية كردية.. لمَ لا؟ أليس الأكراد عراقيين؟ الا نريد منهم ان يؤدوا واجباتهم كمواطنين من الدرجة الاولى؟ لماذا لا نقر لهم في المقابل بحقوق مواطني الدرجة الاولى؟

أثبت الاكراد في الايام الاخيرة ايضا انهم العنصر الحافظ للتوازن في المعادلة السياسية المختلة في العراق. ومن دونهم كان اقطاب الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية سيأكلون بعضهم بعضا او سيدفعون انصارهم الى ان يخوضوا بالنيابة عنهم حربا اهلية سافرة.

اظن ان بوسع برهم صالح او نجيرفان بارزاني ان يقود حكومة تخدم كل العراقيين على قدر المساواة وان يحقق الكثير من تطلعات العراقيين التي تتركز الآن على الامن والخدمات وإطلاق عملية اعادة الاعمار بعيدا عن كل ادلجة فارغة. فلكلا الرجلين ـ العراقيين بالطبع ـ سجل يُفتخر به في حكومة اقليم كردستان، ولا شك في أن أداء برهم في الحكومة العراقية المركزية لا يضاهيه أداء معظم وزراء «الائتلاف» وغيرهم.

أظن أخيرا أن من شأن الأخذ بهذا الاقتراح تفادي الشقاق بين قوى «الائتلاف» نفسها، وبينها وبين القوى السنية، وبين هؤلاء جميعا والقوى العلمانية.

[email protected]