من الكلمات التي أخذت تتكرر على الألسن كلمة دزاينر، التي تعني بالانجليزية: مصمم!! لا يحتاج المرء لأي معرفة في هذه اللغة ليحيط بمعنى الكلمة. أصبحنا نستعملها لكل شيء من الملابس والأحذية الى ورق الخس والسلطة. لسوء الحظ لم تكن على هذا الرواج عندما كنت أحملها كمهنة لاشتغالي كمهندس مسرحي. ولكنها اليوم المدخل للمجد والعلا.
كنت في احدى الحفلات الراقية التي تحييها الأسر العربية الغنية فاذا بالمضيفة تقدمني لرجل غريب الهيئة رطن اللهجة، مكسر اللغة وقالت: «اقدم لك الدزاينر بتاعي، مسيو رفائيل». قلت ماذا تقصدين؟ فأشارت الى كرشها المنتفخ وقالت: الدزاينر بتاع فستاني ده «تشرفنا ونعم الشرف».
في هذه الايام، لا يكفي ان تشتري المرأة بدلة بعشرة آلاف دولار، وانما يقتضي عليها ان تكون البدلة مصممة خصيصا لها، ولا توجد امرأة في الدنيا كلها تلبس مثلها. ولكن كيف تثبت ذلك؟ طريق واحد. وهو ان تأتي بالسيد المصمم الذي صمم الفستان. وأكثر من ذلك، يجلس ويتعشى معنا ويشرح لنا آراءه في عقوبة الاعدام وحوار الحضارات وتلوث البيئة.
وسرت العدوى. لم يعد يكفي ان يكون للمرأة طباخها وشغالتها وقارئ كفها، وانما ينبغي ايضا ان يكون عندها دزاينرها. واذا شاءت المزيد من المجد، فعليها ان تمنعه من التصميم لأي امرأة أخرى والا فما الفائدة؟
ومشت العدوى. اصبحنا نسمع عن حذاء دزاينر ومنديل دزاينر وفراش دزاينر وستائر دزاينر. وسمعت الكلاب والقطط بذلك فأصرت ان يكون لها ايضا دزاينرها الخاص بها. ترى امرأة في الشارع لابسة فراء من المنك البني اللون. تنظر فاذا بها يتبعها كلب بنفس اللون والعضال. انه كلب دزاينر صمم خصيصا لذلك الفراء المنك. تدخل بيتها فتقدم لك رجلا غريب الهيئة والشكل، وتقول: «اسمح لي اقدم لك المسيو كورفيه، المصمم بتاع كلبي نونو». وعندما تقرر المدام ان تلبس فراء مقلم اصفر لاحدى الحفلات فعلى المسيو كورفيه ان يأتي من تحت الأرض بكلب أصفر مقلم ينسجم مع الفراء.
ليس غير المسكينات الغلبانات في هذه الايام يتباهين بعطورهن وقمصانهن فيقلن كرستين ديور وايف سان لوران. البنت التي تعرف حالها ومكانتها تتكلم عن دزاينرها.
ومشت العدوى فانتقلت الى موائد الطعام. تدخل فتجد امامك مائدة العشاء مرتبة بشكل غريب ومثقلة بأطعمة لم ترها من قبل. تحير في أمرك، أين تجلس حولها وكيف تبدأ بها. يبادرك صاحب الدعوة فيذكر لك مصمم المائدة ويعطيك رقم هاتفه ويقول: «لا تتحير في اعداد ولائمك، اتصل به وهو يصممها لك. عنده تصاميم لا يعرفها غيره كلها من ابتكاره».
اذا وجدت الطبق ماسخا جدا، أو اللحمة نيئة أو السلاطة مرة، بادرك صاحب الدعوة بابتسامة عريضة وهازئة نوعا ما «معلهش! انت بعدك ما تعلمت على الأكل الدزاينر».
هناك الآن في المخازن خضروات ولحوم ومعجنات مصممة لهذا الغرض. من آخر ما وجدته منها «خس الدزاينر»، وذلك الخس المكرش والمفرقع.
وكعادتي في وعظ القراء، اختتم بهذه النصيحة: اذا كان معطفك محكوكا من الكتف أو سروالك مثقوبا من الأمام فقل لجليسك انه معطف أو سروال دزاينر. واذا تضايق ضيفك من الشاي فقل انه شاي دزاينر. اجعل من الدزاينر عذرا عن كل ما تمقته القلوب وتعافه العقول.