إيران تتوقى الضربة الأميركية بتفجير لبنان أو البحرين

TT

الرئيس الايراني الجديد، محمود احمدي نجاد، ضالع على ما يبدو في علوم الماورائيات، فهو بعدما رافقته هالة من نور أثناء إلقاء خطابه في الامم المتحدة في شهر ايلول (سبتمبر) الماضي، أبلغ في الخامس من هذا الشهر حشدا من طلاب الدين في مدينة قم، جاءوا من عدة دول اسلامية، ان الاسلام لا يُلزم نفسه ضمن حدود جغرافية، «يجب أن نؤمن بأن الاسلام ليس محصوراً ضمن حدود جغرافية، او مجموعات اثنية محددة، او امم. إنه ايديولوجيا عالمية تقود العالم الى العدالة»، وأضاف احمدي نجاد: «اننا لا نتردد في القول ان الاسلام جاهز لقيادة العالم». ثم ألقى كلمة مطولة حول الفكرة التي يتمسك بها وهي ان عودة الامام المهدي المنتظر صارت قريبة، وان على المسلمين ان يتهيأوا لاستقباله. وقال: «علينا ان نهيئ انفسنا لقيادة العالم»، والطريقة المثلى لذلك تكون في التركيز على مسألة توقعات العودة. فالامام المنتظر ـ برأيه ـ سينقذ العالم الغارق بالفوضى والفساد ويفرض العدالة، «اذا انطلقنا من قاعدة توقعات العودة، فإن كل مسائل الأمة ستنتظم، وادارة البلاد ستسهل».

تجدر الملاحظة، الى ان مهدي كروبي، الرئيس السابق لمجلس الشورى الايراني، قال بعد تصريحات احمدي نجاد، ان بعض المقربين من الرئيس الايراني قالوا إن عودة الامام المهدي ستحدث في السنتين المقبلتين، وبالتالي يجب البدء في بناء الفنادق في كل ايران.

يرى كثير من المراقبين ان تصريحات احمدي نجاد، إن كانت تلك المتعلقة بعودة المهدي او بإزالة إسرائيل، ليست أكثر من خطة للهروب الى الامام، بعدما عجز عن تحقيق الوعود التي أغدقها على الطبقات الايرانية الفقيرة اثناء حملته الانتخابية، وقال أحد الايرانيين إن على الرئيس الايراني واصدقائه قبل البدء في التفكير في كيفية حكمهم للعالم، ان يجدوا بعض الحلول الاولية لمشاكل الشعب الايراني. وحسب رئيس الشرطة الايرانية، الجنرال اسماعيل احمدي مقدم، يموت كل سنة 30 الف ايراني في حوادث السيارات، و10 آلاف في حوادث الدراجات النارية، كما ان عشرة ملايين ايراني مدمنون على المخدرات. وتذكر تقارير الانباء انه بعد الفقر، والبطالة، يشكل الادمان على المخدرات خطرا اساسيا في ايران.

إن أكثر المأخوذين بأفكار احمدي نجاد، هم الاحزاب الاسلامية الفلسطينية، وكان نجاد لدى استقباله وفدا من حركة حماس (خالد مشعل وموسى ابو مرزوق)، أكد على البعد الاسلامي للقضية الفلسطينية «غير المحصورة بمنطقة جغرافية، وبالتالي فإنها واحدة من المسائل التي تحدد مستقبل الاسلام (...)، ان القضية الفلسطينية تثبت حتمية ثورة وأفكار الامام الخميني». وبعد لقاء بنجاد، استضاف قادة الحرس الثوري وقوات القدس، خالد مشعل، وبحثوا معه التعاون ما بين «حماس» و«الجهاد» في غزة والضفة، وما بين «حزب الله» وايران في لبنان.

وكانت ايران وقّعت في 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، اتفاقية استراتيجية مع سوريا ـ كشفت عنها اسبوعية «جينز» الدفاعية ـ تنص على ان تدعم كل منهما الدولة الاخرى في حال تعرضها لعقوبات دولية، وفي حالة تعرض ايران، تتحول سوريا الى مستودع للمواد الايرانية النووية، أما إذا تعرضت سوريا للعقوبات، فإن ايران تظل تمدها بالمساعدات المالية، وكل ذلك مقابل أن تبقي دمشق خط إيصال السلاح والدعم لحزب الله في لبنان مفتوحا. وحسب مصادر مطلعة، فإن طهران تتطلع الى جعل الجنوب اللبناني مسرحا تلتقي فيه كل الاحزاب الفلسطينية الاسلامية ـ حماس والجهاد ـ اضافة الى مقاتلي حزب الله وعناصر مقاتلة من الحرس الثوري الايراني، وذلك من أجل فتح جبهة قتالية مباشرة على الحدود مع اسرائيل.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى عادت ايران الى تحريك برنامجها النووي، والاسبوع الماضي أبلغت الوكالة الدولية للطاقة النووية انها سوف تستأنف ابحاثها في الطاقة النووية بعد سنتين من تعليقها، من دون ان تعطي تفسيرات لهذا الإجراء، ويوم الاثنين الماضي أكد المرشد الاعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، ان ايران لن تتخلى عن برنامجها النووي وان فرض عقوبات عليها لن يثنيها عن عزمها. ومساء اليوم نفسه، تحدث الدكتور محمد البرادعي، مدير الوكالة، مشيرا الى حق ايران في التخصيب النووي، ولكن بسبب فقدان الثقة بالدوافع الايرانية المبيّتة، وكون تصريحات احمدي نجاد الأخيرة لا تساعد، ولأن روسيا وافقت على توفير الوقود للمفاعل الايرني، فإن خطوتها الجديدة لا تطمئن المجتمع الدولي. وبدا البرادعي وكأنه يشعر بإحراج من تقصير ايران في توفير المصداقية والشفافية، وقال ان صبر المجتمع الدولي بدأ ينفد، وان مصداقية فريق التفتيش على المحك. وهو سيقدم تقريره في شهر آذار ( مارس) المقبل، إثر تلقيه نتائج الاجتماع المفروض ان ينعقد في 18 من الجاري بين الدول الاوروبية ( فرنسا، والمانيا، وبريطانيا)، وايران.

وكانت الشكوك بدأت تحوم حول النوايا الايرانية عندما كشفت طهران للوكالة الدولية عام 2003، عن انها، ومنذ عشرين عاما، تقوم ببناء اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.

في البرنامج التلفزيوني الذي بثته محطة «سكاي» البريطانية، تحدث احد اساتذة جامعة طهران ـ اللافت انه كان يضع ربطة عنق بخلاف ايرانيي الثورة ـ وقال عكس ما أكده خامنئي «ان الحصار الاميركي المفروض على ايران يؤثر على حياة الناس»، واعطى مثلا عن عدد سقوط الطائرات المدنية بسبب النقص في قطع الغيار. ونفى ان يكون احمدي نجاد صاحب القرار في المسألة النووية، وقال: «انه منفّذ».

لم يفاجئ انتخاب احمدي نجاد العالم فقط، بل فاجأ العديد من الايرانيين، وفي استفتاء أجري العام الماضي مباشرة بعد انتخابه، عبّر 40? من المستفتين عن اسفهم لأنهم لم يشاركوا في الاقتراع، والمعروف ان مرشد نجاد الروحي، آية الله مصبح يزدي، من أكثر المتطرفين الى درجة ان كثيرين من المتشددين يبدون أمام تطرفه معتدلين، لكن بغض النظر عن رئاسة نجاد، فإن الخطر الايراني يتزايد في وقت تعبر فيه منطقة الشرق الاوسط مرحلة متفجرة. والذي يقلق انه على الرغم من ان الدول الاوروبية نسقّت جهودها الديبلوماسية مع واشنطن، فإن ايران ليست معزولة، لأن روسيا تقف الى جانبها، وقد أكد مراراً وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على ان الوكالة الدولية للطاقة النووية يجب ان تتعاطى مع الملف النووي الايراني وليس مجلس الامن، وكدعم قوي لطهران وافقت موسكو على ان تبيع ايران نظام دفاع جوي معروف بـ «تورـ ام واحد»، يقال انه الاكثر تقدما في هذا المجال، ويستعمل على رافعات متحركة لاستكشاف وتدمير عدة اهداف، من بينها الصواريخ، والطائرات والهليكوبتر. وقعّت موسكو الصفقة مع طهران في اوائل الشهر الماضي يقيمة مليار دولار، وحسب المصادر الروسية، فإنها الأكبر ما بين طهران وموسكو في السنوات الخمس الماضية، وتنص على ان يبدأ تسليم هذا النظام خلال العام الحالي.

ومن الواضح ايضا، ان الصين حتى هذه اللحظة تدعم ايران، وأبلغ وزير خارجية الصين، لي جاوزنغ، ممثلي الدول الاوروبية الثلاث، ان عرض الملف النووي الايراني على مجلس الامن «سيدفع ايران الى اتخاذ خطوات متطرفة». ويوم الاثنين الماضي، قال نائبه للشؤون الخارجية، إن بلاده تعارض إيصال الملف الايراني الى مجلس الامن.

ونظراً للعطش الصيني المتزايد الى النفط، فمن المستبعد أن تتخلى بكين عن طهران من اجل الولايات المتحدة او اوروبا، إلا اذا توفرت لها عروض نفطية مغرية اخرى!

العالم ينتظر تقرير البرادعي الى مجلس الامن، انما بسبب استعمال حق النقض الذي قد تلجأ اليه روسيا والصين، فإن اي محاولة اوروبية او اميركية لفرض عقوبات دولية على ايران آيلة الى الفشل، وهذا ما تدركه اوروبا وواشنطن، واذا كانت الدول الاوروبية المفاوضة الثلاث رفضت التهديد بالخيار العسكري اذا ما وصلت المحاولات الديبلوماسية الى طريق مسدود، إلا ان الولايات المتحدة واسرائيل لم تفعلا ذلك.

ان تورط اميركا في العراق يجعل من اي تدخل عسكري في ايران أمراً غير محتمل، لكن الانسحاب العسكري الجزئي من العراق الذي تستعد له واشنطن، سيمنح المخططين العسكريين في البنتاغون ثقة أكبر بنجاح ضربة ضد إيران، وهذا يعني ان هناك سباقا ما بين هؤلاء والبعض في القيادة الايرانية الذين يسعون الى تفجير ما في منطقة الشرق الاوسط يربكون عبره اي مخطط اميركي، إن كان مقاطعة دولية او ضربة عسكرية. ومن المؤكد ان الساحة الأخصب لأي محاولة تفجير ايرانية هي الاضعف، وهنا يبرز إما لبنان او البحرين وما يجرّه كل منهما، وفي كل الحالات لن تكسب روسيا او الصين، لذلك فإن أفضل الخيارات يكون في إقناعهما بالضغط على ايران كي تجنح الى الاعتدال، وإلا صار من حقهما اللجوء الى التصويت الدولي من أجل إنقاذ منطقة مشتعلة، والحؤول دون أن تتحول الى رماد!