من سيرث شارون؟

TT

أثارت إصابة أرييل شارون المفاجئة بالجلطة الدماغية موجة من الإشاعات حول خليفته الإسرائيلي: إيهود أولمرت؟ بنيامين نتنياهو؟ شيمعون بيريز؟ وسمعنا الكثير عن مستقبل السلام بين إسرائيل والعرب. لكنني حين أفكر بالشرق الأوسط بعد شارون أجدني أطرح سؤالا مختلفا: هل هناك خليفة عربي لشارون؟ أو بصيغة أفضل: هل هناك شارون عربي؟

لكن قد يبدو طرح سؤال من هذا النوع استفزازيا. إذ أن شارون بنى شهرته على أساس أنه أكثر الإسرائيليين شراسة في قتالهم للعرب وهو أكثر الأشخاص تحمسا في بناء المستوطنات. ولسنوات كثيرة كان ذلك النهج هو جوهر «الشارونية». لذلك فقد يكون من السهل القول إن هناك الكثير من «الشارونيين العرب»، وما أعنيه بذلك هو أولئك الزعماء العرب الذين بنوا شهرتهم على أساس مقاومة إسرائيل.

ولو أن شارون توفي قبل عدة سنوات قبل أن يصبح رئيسا للوزراء لكنا قرأنا على نقش قبره: أكثر المقاتلين الإسرائيليين قسوة ضد العرب، وباني المستوطنات والمتشدد».

لكنك لا تستطيع أن تكتب سيرة حياته بدون إدخال عمله الأخير كرئيس للوزراء وتلك الفترة هي الأكثر حكما والألطف في حياته. فليس هناك الكثير من الزعماء في سن السابعة والسبعين من يتمكنون من الاعتراف بأن أكبر مشاريعهم أثناء حياتهم السياسية كانت خاطئة وتضع خطرا ماحقا على مستقبل شعبه، لكنه يخاطر بحياة شعبه حاليا عن طريق السير باتجاه معاكس لمشاريعه تلك. وهذا يجب أن يسمى أيضا «الشارونية».

لذلك فعندما أتساءل إن كان هناك شارون عربي فأنا أعني ما إذا كان هناك ما بين أهم الشعوب في منطقة الشرق الأوسط ـ والذين لم يتصالحوا مع إسرائيل ـ زعماء مستعدون للاعتراف بأن جهودهم المعادية لإسرائيل ومطالبهم بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل كانت مضيعة للوقت وإذا لم يتم عكس اتجاه هذه الجهود فإنهم يهددون مستقبل شعوبهم؟

أنا أطرح هذا السؤال بدون وجود أي أوهام حول شارون. لخص محرر صحيفة «هآرتس» جيدعون ليفي ذلك حينما قال «الحماس المتأخر لشارون هو حماس زعيم ذكي حاول في آخر حياته أن يخرج نفسه بطريقة ما من أوضاع ما كان لأي زعيم حكيم أن يضع نفسه فيها بأي شكل من الأشكال. فشارون هو الشخص الذي قاد إسرائيل إلى أكثر الحروب عبثية وإيذاء للإسرائيليين: حرب لبنان والذي لم يرفع حتى يده موافقا على تحقيق سلام مع الأردن». وهو أكثر المسؤولين عن بناء شبكة من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وغزة والتي أصبحت عبئا غير قابل للحياة.

ولهذا كان لرئيس الوزراء شارون الكثير من المشاكل التي يتعين عليه حلها وهي آتية من شارون وزير الدفاع ووزير الزراعة. وعندما سئل شارون عن تغيير موقفه وازالته المستوطنات اليهودية في غزة وقليل من المستوطنات في الضفة الغربية أشار الى كرسي رئيس الوزراء قائلا: «ترون اشياء من هنا لا يمكنكم رؤيتها من هناك». وقد استطاع أخيرا أن يرى ان الافراط في اقامة المستوطنات يعرض للخطر السمة اليهودية والديمقراطية لاسرائيل. ولهذا فانه دمر على نحو عاجل الحزب اليميني الذي أسسه، أي الليكود، لنشر تلك المستوطنات.

ان الزعامة ليست ما يفعله المرء للطرف الآخر. فذلك سهل على الدوام. انها ما يقوله المرء لنفسه. انها النظر الى عيون شعبك والقول في الأفعال ان لم يكن في الأقوال: «كنت مخطئا. علينا تغيير الاتجاه»، وتلك هي الزعامة في الوقت الحالي.

ولكن تغير موقف شارون سيضع نهاية لهذا الصراع فقط اذا ما كان هناك بين خصوم اسرائيل شارون عربي (مثل أنور السادات أو الملك حسين) مستعد للتصرف بالطريقة ذاتها. فلم يكن ياسر عرفات والرئيس السوري حافظ السد مستعدين للنظر في عيون شعبيهما وابلاغهما بان الحملة لتدمير اسرائيل قد انتهت. وعرفات الشيخ والأسد الشيخ كانا يشبهان عرفات الشاب والأسد الشاب. ولا يهم الى أي مدى ارتفعا، فقد كانا عاجزين عن النظر الى شعبيهما بصورة ابعد.

وسيكون إرث شارون ارثا مختلطا. أما إرث عرفات والأسد فسيكون خالصا، ويدفع بلداهما ثمن ذلك.

«ان شارون يختفي من المشهد، ولكن بسبب تيار الوسط الاسرائيلي الذي أسسه فانه ترك اسرائيل قادرة على اتخاذ قرار بشأن مستقبل الضفة الغربية» وفقا لما قاله محلل شؤون الشرق الأوسط ستيفن كوهين. لقد رحل الأسد وعرفات ولأنهما لم يؤسسا «وسطا جديدا أو طريقا نحو مستقبل جديد، فان بلديهما يعانيان الان من اضطراب بعد رحيلهما».

لا أعرف من الذي سيخلف شارون. كل ما أعرفه انه سيكون أسهل بكثير على زعيم اسرائيل المقبل تنفيذ الجانب الايجابي من إرثه، اذا ما برز عدد قليل آخر من نمط شارون عربي لدى الجيران.

* خدمة «نيويورك تايمز»