ما بعد الموت السياسي والدماغي لشارون

TT

فالجنرال / الديناصور أرئيل شارون رجل الاغتيالات والتصفيات، الشهير باسم البلدوزر، ومنذ عضويته في مجموعات الهاجناه (تساحال) عام 1948، مروراً بقيادته لعصابة القتلة والزعران في الجيش الاسرائيلي في الخمسينات من القرن الماضي، والمسماة بالكتيبة 101، ودوره في تصفية الأسرى المصريين عامي 1956، 1967، وغزو لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا، وصولاً الى المرحلة الراهنة، يحمل على أكتافه تاريخاً مثقلاً بالارث الدموي والسلوك الفاشي تجاه العرب والفلسطينيين منهم على وجه الخصوص. والتاريخ اياه لازم شخصيته السياسية التي لم تستطع، في أحسن لحظاتها، أن تتخلص من ماضيها وأن تفتح ذاتها وأعينها على العالم الذي تطور في تأييده واسناده للكفاح الوطني العادل الذي خاضه وما زال الشعب العربي الفلسطيني. وانتقل في أحسن حالاته نحو القبول اللفظي فقط، بالحل المفروض، وفق خريطة الطريق الأمريكية، من دون أن يقدم أية استحقاقات لها علاقة بمسار التسوية، وفق خطة خريطة الطريق، حتى في اشتراطاتها الاسرائيلية التي كان قد تقدم بها شارون الى الادارة الأمريكية عند عرضها عام 2002.

ان الجلطة الدماغية التي أصابت شارون، والنزيف الذي تواصل بعدها، سيجعل من الصعب عليه ان يعود الى عمله، حتى اذا ما تجاوز العلاج الطبي، بعد أن اصيب بجلطتين دماغيتين في مدة زمنية مقدارها اسبوعان ونصف الاسبوع. وعليه فان عصر شارون في قيادة الدولة العبرية الصهيونية، بلغ امس نهايته. وانهيار صحة شارون يترك الكيان الاسرائيلي في وضع مهتز، حيث يغادر الحلبة السياسية، والحكومة يقودها قائم بأعمال رئيس الحكومة، الوزير ايهود اولمرت، عشية انتخابات اقتربت من موعدها المقرر في آذار / مارس 2006. وحزب «كاديما» وريث القيادات المنشقة عن الليكود يتربع على عرش الوزارة في الدولة العبرية، بلا مؤسسات وبلا نظام، وليس واضحاً كيف سينتخب بديل شارون. وعليه فان المنافسة على رئاسة الحكومة، ستبدأ الان من جديد معركة ثلاثية بين بنيامين نتنياهو، وعمير بيرتس والرئيس البديل لحزب «كاديما».

ومما لاشك فيه، فان مغادرة شارون ميدان الحياة السياسية الاسرائيلية، وانسحاب شمعون بيريس من حزب العمل، سيعيد ترتيب الاصطفافات في الخريطة السياسية الاسرائيلية، حيث تدل مؤشرات استطلاعات الرأي، التي نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» في اليوم التالي لدخول شارون الى مستشفى هداسا، الى تراجع الأرقام المتوقعة لحصاد حزب «كاديما» في انتخابات الكنيست السابعة عشرة القادمة من 42 الى 39 عضوا، واستمرار ضعف حزب العمل، الى درجة قريبة من حافة الخطر، وتدني حظوظ الحزب في ايصال ما يتوخاه من أعضاء الى الكنيست في الانتخابات القادمة، الى حدود 18 مقعداً فقط، في الوقت الذي ستنتعش فيه أحزاب الاستيطان والكتل الحزبية التوراتية الصغيرة والمتفرقة هنا وهناك. وبالنتيجة فان «كاديما» حزب الشخص سيتراجع بعد رحيل ومغادرة شارون، وسيتراجع معه يمين الوسط، مع اتساع نفوذ أحزاب اليمين، واعادة احياء دور الليكود والأحزاب التوراتية الصغيرة.

وبالتالي فان غياب شارون يمكن له، في احد احتمالاته، أن يدفع نحو توليد وضع سياسي اسرائيلي داخلي يزيد من اتساع تيار اليمين التوراتي وحزب الليكود بحدود معينة، واتساع أكبر لتيارات «يمين الوسط»، التي تبتغي الوصول الى حل ما مع الفلسطينيين، بدلاً من ابقاء صواريخ القسام والقدس والأقصى… تتساقط فوق رؤوس المستوطنين.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق