أمنية جاك شيراك: من أجل تنوع إعلامي

TT

هي فكرة يمكن وصفها بـ«الإعلامية»، وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد أطلقها بعد أحداث الشغب التي عرفتها فرنسا مؤخرا، وهي دعوة وجهها الرئيس الفرنسي لوسائل الإعلام، وبالأخص قنوات التلفزيون، يطلب منها أن تتبنى وتعكس فعليا «تنوع المجتمع الفرنسي»، وتتفهم حضور الاقليات «الموجودة» في الأحياء الشعبية المهمشة ذات الاقليات المتحدرة من المهاجرين.

ويبقى السؤال المطروح هو: ترى هل يمكن لأمنية شيراك أن تتحقق في ظل الحقائق التي يعيشها الفضاء الإعلامي في فرنسا؟

تصريح رئيس الدولة الفرنسي يعني أنه سيتم فرض «محاربة العنصرية» من خلال مهمات وبرامج الوسائل الاعلامية، كما ستفرض واجبات جديدة على المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري، وإضافة شروط أخرى إلى دفتر التحملات الخاص بالقنوات الإعلامية سواء كانت عامة أو خاصة.

ولكن المشكلة هي عند التطبيق، فإذا كان المطلوب هو تنويع الفضاء الإعلامي في فرنسا، فإن هناك مشكلة أخرى أكبر منها تبرز إذا ما اطلعنا على خفايا هذا القطاع، وهي: أين ستجد وسائل الإعلام هؤلاء الصحافيين والإعلاميين الشباب «المتنوعين».

فمن خلال تحقيق قامت به مؤخرا جريدة «لوموند» الفرنسية لدى أبرز المؤسسات الإعلامية بفرنسا، تبين أن على قطاع الإعلام أن يراجع شروط القبول والاختيار والترشيح والتوظيف، وإلا فإن هذا التنوع المطلوب سيكون «مهمة مستحيلة».

فمن خلال التحقيق المذكور، تبين أنه في مركز تكوين الصحافيين بباريز العاصمة، لا يوجد سوى طالب واحد، هو ندير دندون، بين كل الطلاب يمكن أن يعكس شروط «التنوع الإعلامي المطلوب».

أما في المدرسة العليا للصحافيين بمدينة ليل، فتبين أن هناك كل سنة ما بين طالب إلى ثلاثة طلاب على الأكثر ينتمون إلى أقليات تتحدر من مهاجرين.

أما في المؤسسة الفرنسية للصحافة بجامعة باريز الثانية، فإننا نجد في هذه السنة طالبا واحدا يمكن اعتباره «ملونا».

وأخيرا، نجد في شعبة العلوم السياسية بباريس طالبين فقط بالمؤسسة اختارا شعبة الصحافة، يتوفران على شروط «التنوع».

إذاً نستنتج من خلال هذا التحقيق أن هناك عددا قليلا ممن يمكن اعتبارهم «متنوعين». كل هذا يدل على أن هناك القليل من المرشحين الذين يستجيبون لشروط تحقيق أمنية الرئيس.

أما سبب وجود عدد قليل من المرشحين الشباب الذين يمثلون «التنوع المطلوب» فهو قلة عدد الذين يتقدمون لامتحانات الدخول إلى مؤسسات الصحافة والاعلام. ويرى أحد رجال الإعلام أن الحاجز الأول هو بالدرجة الاولى «حاجز نفسي» حيث يقول: «يظنون أن هذه المهنة «ليست لهم»، وأن «محيط» الإعلام مغلق أمامهم، فيكفي رؤية «نوعية» أسماء الكتاب في الصحافة المكتوبة، أو ملامح وجوه الصحافيين على الشاشة الصغيرة لكي تجعل كل «ملون» يفهم حدوده».

أما مدير المدرسة العليا للصحافة، الذي عبر عن سروره للنداء الذي وجهه الرئيس الفرنسي للمؤسسات الصحافية بالبلاد، فإنه يعترف بأنه «ليس هناك ولو طالب واحد متحدر من مهاجرين من بين عشرين طالبا تقدموا لامتحانات الالتحاق بالمؤسسة، إنه النظام التربوي الجمهوري الذي يمكن أن نقول إنه حسم الأمر قبلنا».

أما في المجلس الفرنسي للصحافة، فإن ندير دندون يعتبر عملة نادرة، فقد حصل على منحة فرنسية خاصة مع أنه لا يحمل سوى شهادة ثانوية في الطبخ.

يقول دندون «الخطأ هو في التوجيه الذي تقوم به الثانويات والمدارس، فلا نجد من يوجهنا، فالمتحدرون من مهاجرين لا يعرفون بأن مثل هذه النوعية من المؤسسات الاعلامية موجودة أصلا، فأنا شخصيا منذ سنتين لم أسمع قط بالعلوم السياسية، لكن بفضل تفكيري في شهادة الباكالوريا فهمت بالصدقة أنها تؤدي إلى مثل هذه المؤسسات، فالناس هنا يعملون كل ما في وسعهم للنجاح والوصول إلى مراكز أفضل، فأنا محظوظ لأنني وجدت من يوجهني ويأخذ بيدي ويشجعني لكي أصل إلى ما وصلت إليه، إلى ما يمكن اعتباره «فوق»، فأحسست بثقة في نفسي. ففي السنة الماضية، شاركت في ندوة حول المدن، وقد خجلت من الكلام، أما في هذه السنة، فلم أشعر بأي خجل».

لكن دندون يرى بأن عددا كبيرا من الطلاب لا يتهمون النظام التربوي، فلديهم ثقة بأنفسهم لكن يشعرون بأنهم «مستعمرون»، بل إن أغلبيتهم لا يفضلون ممارسة هذه المهنة لأنهم وبكل بساطة لا يطيقون رجال الاعلام.

هناك في فرنسا من يتحدث عن «الخيانة الاجتماعية» التي يشعر بها أحيانا هؤلاء الشباب، وقد اعترف دندون بذلك، فهو يشعر في بلدته وكأنه مخلوق أتى من كوكب المريخ.

أما المؤهلون من الأقليات الملونة، فلهم معاناتهم أيضا، فجورج مثلا صحافي من الكاميرون، حصل على ماجستير في العلوم السياسية قبل قدومه إلى فرنسا، ورغم ذلك لم يجد عملا حيث يقول: «أريد أن أجرب نفسي ومؤهلاتي في الصحافة قبل أن أقنع الناس بأنني «أسود»، لكن في الأخير قررت التوجه إلى قطاع الاتصالات للعمل رغم أن قلبي في الصحافة المكتوبة».

يجمع أغلبية المسؤولين بمختلف المؤسسات الفرنسية على أنهم على وعي تام بأن مسؤوليتهم هي إطلاع شباب الأقليات المتحدرة من مهاجرين على الفرص الحقيقية المتاحة أمامهم للنجاح في امتحانات الالتحاق بالمؤسسات المتخصصة المختلفة، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية، ومراجعة الوثائق والكتيبات التي تنشر والتي تعتبر بشكلها الحالي «طاردة» لمثل هؤلاء المرشحين «المتنوعين». لكن يجب كذلك نشر المعلومات عن المنح المتوفرة ومراجعة أسعار مؤسسات أخرى لجعلها في متناول الطبقات المحدودة الدخل.

وقد بدأت فعلا بعض الؤسسات بإصلاح امتحانات القبول حتى تحصل على تنوع اجتماعي ابتداء من موسم العام القادم، ولن يبقى أمام «المرشحين المؤهلين» سوى اجتياز عقبة التوظيف، وهنا نرى أن أمام «أمنية شيراك الإعلامية» طريق طويل لكي تتحقق.

* رئيس تحرير جريدة «المغرب اليوم»