أمير اللحظات الصعبة

TT

حقاً، كان الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، أمير اللحظات الصعبة. ففي منطقة، مثل منطقة الخليج، تظل كل اللحظات صعبة ومنذ أربعين عاما تقريبا، فهي منطقة لم تعرف الهدوء قط، بين طامع، وعابث، ومتآمر، وللأسف فإن جميع تلك المراحل وحتى اليوم جاء ضررها من أهل المنطقة، تحت شتى الأسماء والشعارات.

الشيخ جابر، رحمه الله، كاد يلقى حتفه بسبب وقوفه مع عراق صدام حسين، وكاد يلقى مصرعه ايضا بسبب نظام صدام المخلوع يوم احتل دولة الكويت في عام 1990. وكانت تلك أصعب اللحظات على الشيخ جابر، بعد زوال دولته، وليس حكمه وحسب. لكن وقوفه مع شعبه حينها، في كل مكان، والتفاف شعبه حوله ايضا، ادى الى تماسك الكويت وهي تقع تحت وطأة الاحتلال، وتتجرع ظلم ذوي القربى الذي طالها من بغداد، وبعض الدول العربية. وكلنا يذكر كيف وقفت له الدول الاعضاء في الأمم المتحدة وهي تصفق له طويلا، احتراما وتقديرا له ولبلاده، وإعلانا للدعم الدولي لبلاده وشرعيته.

حكمة الشيخ الراحل تجلت في انه لم يؤجل معالجة وضع مستحق بحجة الظروف، والأعذار واضحة من دون شك، خصوصا بعد عودة الكويت لشعبها، وبقاء صدام على سدة الحكم وعلى مرمى حجر من دولة الكويت. لم يقل الشيخ جابر إن على الكويت تأجيل المشاريع لأن العدو يتربص بها، بل واصل اتخاذ القرارات التي عززت العمل الديمقراطي في الكويت، واحترم الدستور، ولم يمت إلا وقد عالج خللا كثيرا ما عانت منه ديمقراطية الكويت وهو إعطاء المرأة حقها السياسي. وكانت رغبة أميرية، لم يثنها مرضه، واعتلاله الصحي المعلوم للجميع.

قوة الشيخ الراحل كانت تكمن في هدوئه، فعلى الرغم من اشتعال الاحداث داخليا وخارجيا لم نره حاكما متجهما، أو فاقدا للأعصاب في قراراته أو تدخلاته في سير العمل السياسي الكويتي. كنت دائما ما أمازح الأصدقاء في الكويت فأقول لهم، أعان الله حكامكم عليكم، فما اكثر ازعاجكم انتم واللبنانيين، على صغر دولتي الكويت ولبنان. كانوا يضحكون ويقولون «شيوخنا منا وفينا، اذا ما تحمّلونا أجل من يتحملنا»؟.

كنا في زيارة رسمية قبل عام ونصف العام تقريبا للكويت، وأذكر يومها أنه قدم لنا جدول الزيارات في الرحلة، واثناء قراءة جدول الزيارات نبهني احد رجال الأمن المرافقين أن علينا ان نخلد للنوم مبكرا لان الموكب سيتحرك باكرا في الصباح في حدود الساعة السابعة والنصف! نظرت إلى الجدول ووجدت حديثه صحيحا، فقلت لماذا هذا الوقت المبكر؟ فقال لأن موعد سلامكم على الشيخ جابر سيكون في الثامنة صباحا. بالفعل ذهبنا بصحبة الوفد الرسمي، وكنا في حضرة الأمير الساعة الثامنة صباحا، ويومها تحدث عن العلاقات السعودية ـ الكويتية، واسترجع أياما له مع الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، رحمهما الله، في البر في السعودية.

عند خروجنا سألت لماذا كان الموعد مبكرا ؟ فقيل لي إنه يبدأ يومه مع شروق الشمس ويقضي بعض الوقت في فناء منزله يقص الزهور ويهتم بها، ويبدأ بعد ذلك بممارسة عمله، ثم يخلد إلى نومه مبكرا جدا. رحم الله جابر الأحمد الصباح.

[email protected]