القنبلة الإيرانية.. من التالي؟

TT

لابد من الاعتراف بأن إيران لعبت أوراقها حتى الآن بشكل جيد في ملفها النووي والملف العراقي وفي إدارة صراعها مع القوى الكبرى، وعلى عكس أنظمة عربية لها تاريخ طويل من الحماقات والطنطنة والكلام المستفز للآخرين وجلب الكوارث بدون أن تكون هناك أية قدرات، فإن سياسة طهران اتسمت في معظم الأحيان بالبرغماتية، بينما كانت دائما متيقظة لمصالحها في ضوء واقعها الجغرافي والإقليمي.

وهناك أمثلة كثيرة على قدرة مؤسسة الحكم في طهران أيا تكن التغيرات التي تحصل فيها على التفاوض وإبرام صفقات ولو من تحت الطاولة مع من تعتبرهم أعداء أو متناقضين في المصالح معها (إيران كونترا أيام الحرب العراقية ـ الإيرانية)، وفي أحدث أزمة إقليمية استطاعت أن تدير مصالحها في وضع شديد الصعوبة بالنسبة لنظامها بعد الحرب في العراق ووجود القوات الأميركية على حدودها لتكون واحدة من المستفيدين من هذه الحرب، فهي من جهة تخلصت من عدو أحمق قديم، ومن جهة أخرى دعمت نفوذها داخل العراق حسب الكثير من الشواهد وشهادات الكثير من السياسيين العراقيين.

لكن الشهور الأخيرة بعد صعود الرئيس الجديد أحمدي نجاد إلى الرئاسة شهدت السياسة الإيرانية تغيرا وأخذ خطابها مع العالم الخارجي خطا تصعيديا سواء خطابيا، مثل أحاديث أحمدي نجاد عن المحرقة وإسرائيل، أو عمليا من خلال التصعيد المتعمد في الملف النووي رغم أن سياسة الإغراءات والحلول الدبلوماسية التي انتهجتها الدول الأوروبية وحتى واشنطن مع ايران.

ولا يوجد تفسير لهذا التشدد الإيراني الذي يحمل معه خطر الانزلاق في مواجهة مفتوحة إلا في ضوء سيناريوهين، الأول أن طهران وصلت إلى نقطة حرجة أو عنق الزجاجة في التكنولوجيا النووية العسكرية، وبالتالي فإنها على الطريق لمفاجأة العالم بقنبلتها النووية على غرار ما فعلته الهند وباكستان، بما يفرض أمرا واقعا يتعين التعامل معه إقليميا ودوليا، وهي في هذه الحالة مضطرة لركوب مخاطرة محسوبة مراهنة على أن العالم لن يستطيع أن يفعل شيئا إذا فرض هذا الأمر الواقع الجديد، خاصة أنه هناك أمر واقع في المنطقة يتمثل في إسرائيل التي يوجد شبه إجماع على أنها قوة نووية غير معلنة، وقد يساعدها في ذلك الوضع الحساس لسوق النفط الذي قد يتعرض إلى أزمة غير مسبوقة لو اندلع نزاع جديد في الشرق الأوسط.

أما السيناريو الثاني فهو أن يكون ما يحدث مجرد تعبير عن صراع داخلي بين متشددين ومعتدلين في إيران، وهناك الكثير من نظريات المؤامرة بما في ذلك أن حادث الطائرة الأخير الذي قتل فيه عدد من كبار ضباط الحرس الثوري لم يكن عفويا، وأنه يأتي في إطار هذا الصراع.

وفي كل الأحوال فإن الكثير من المحللين الاستراتيجيين يعتبرون أن مسألة انتشار السلاح النووي وظهور قوى جديدة نووية مسألة وقت لا أكثر خلال العقود المقبلة، والمشكلة هي أنه كلما ظهرت قوة جديدة فإن أخرى تعتبر أن من حقها هي أيضا أن تمتلك القنبلة، وقد حدث ذلك في حالة الهند وباكستان، وفي الشرق الأوسط فإن هناك دائما السؤال لماذا إسرائيل وحدها يسمح لها بأن تكون قوة نووية؟! وإذا أصبحت إيران قوة نووية هي الأخرى فإن ذلك سيخلق وضعا تصبح فيه مع إسرائيل أهم قوتين في المنطقة، بما يخلق وضعا يدعو حتما قوى أخرى إلى أن تكون التالية في الحصول على هذا السلاح، وهكذا يفتح السباق مع مخاطر استخدامه إذا وقع في أيد غير رشيدة ليجلب الدمار للبشرية.