عندما لا أجد ما أكتبه!

TT

لم أجد شيئا اكتبه. فقد وصلنا متأخرين إلى مدينة طشقند. الأرض مغطاة بالجليد. والناس لهم وجوه لا تستطيع أن تقرأ ما عليها.. أو لا شيء منها أو عليه يمكن قراءته. فلهم نظرات محايدة.. ونظراتهم تتخطاك إلى ما وراءك.. أو شيء آخر إلا أنت. فلم لا يريدونك أو ليسوا في حاجة إليك.. أو أنك سائح مثل كثيرين. أو أنت روسي وهم لا يحبون الروس. الفندق بارد.. وتوجد بعض التدفئة لها رائحة. ليست رائحة الفحم أو الخشب. وإنما رائحة كريهة. ولا أحد تستطيع أن تسأله أو إذا سألته أن تتوقع منه إجابة. وفجأة ظهر شاب، في يده ورقة. وسألني فقلت له: نعم أنا.. وأضحكنا كلامه. فهو لا يعرف إلا الأفعال في اللغة الإنجليزية. مثلا يريد أن يقول: هيا نخرج نتفرج على المدينة والمتاحف والمساجد فيقولها هكذا: خروج. متاحف. عودة. أكل. نوم. عودة. أوبرا. ولكن كنت أفهم ما يريد. وكنت أتكلم مثله لكي يفهمني، ومضت أيام ونحن نقول كلاما غريبا مفهوما.

وقال لي مسلم. وسألني: أنت تصلي؟ فقلت: نعم..

ـ كم مرة في اليوم؟ خمس مرات.

ـ كل يوم؟ نعم..

ـ إذن أنت لا تعمل. قلت: إن الصلاة لا تستغرق وقتا طويلا.

وفجأة وجدت في الفندق لافتة مكتوبا عليها: عيادة طبية. دخلت ووجدت الطبيبة، قلت لها: بطني من هنا. ومغص. ووخز من هنا. وصداع وتمزق. وأعلى العمود الفقري.. وطلبت مني الطبيبة الروسية أن اجلس ونظرت لي تتفحصني. سألتني: وإيه كمان؟ قلت: أليس هذا يكفي؟

ودون أن يبدو عليها أي اندهاش أو قلق، وإنما وجهها ابيض كالثلج وعيناها زرقاوان لامعتان. مدت يدها إلى داخل درج وأخرجت ورقة وفتحتها وأعطتني قرصا أبيض. وقالت: سوف تكون أحسن غدا..

شكرا. غريبة! لا طلبت مني أن اخرج لساني وأقول آه.. ولا قاست الضغط وضربات القلب ولا طلبت مني آكل أو اشرب أو امتنع عن الطعام حتى أراها في اليوم التالي. وفي اليوم التالي ذهبت إليها وقلت: اليوم أنا أحسن. وسألتها عن هذا القرص السحري.. فقالت هي مادة نشوية.. يعني ليس دواء.. لا.. لأنه لم يكن عندك مرض.. أليس كذلك؟ قلت:.... سألت: ولكن لماذا؟ قلت: ليس عندي موضوع أكتبه. والآن.. سوف أكتب. شكرا!