نجاد أعاد إيران إلى الوراء

TT

الى زمن قريب وقبل أن يتولى المتشدد جدا احمدي نجاد الرئاسة في ايران كانت طهران قريبة جدا من فك عزلتها التي دامت 23 عاما تقريبا. كانت الشركات النفطية الاميركية قد بدأت البحث في عقود بترولية وغازية، كما استقبلت أوروبا الرئيس حينها محمد خاتمي استقبال الاصدقاء، وشاع الحديث عن ضرورة العودة لعلاقة طبيعية مع الايرانيين وان كره اليمين الأميركي، بل حتى اليمين الاميركي نفسه كان قد صار حليفا لطهران في العراق بخلاف الدول العربية التي جاهرت بالعداء للوجود الأميركي في العراق.

كل ذلك التقدم داسه الرئيس نجاد بقدمه وبسرعة البرق بإعلانه تحدي العالم في مشروعه النووي. الآن عادت ايران الى المربع الأول وآلف بفضل خطبه المتطرفة بين الاوروبيين والاميركيين، وكذلك خسر حلفاءه المحتملين الروس والصينيين، الذين مالوا الى المعسكر الآخر. أي ان كل ما بناه الرئيسان السابقان هاشمي رافسنجاني وخاتمي في عشر سنين من التقارب البطيء هدمه نجاد ببراعة وأوصل ملف ايران الى مجلس الأمن.

وقد سمعت من أكثر من طرف تعليقا متشابها مفاده ان من المصلحة حسم الموضوع الايراني الذي حير العالم منذ غياب مؤسس الدولة آية الله الخميني، ان كانت ايرانا يمكن التعايش معها او ايرانا ثورية تجب مواجهتها. وكان رافسنجاني قد هزم المتشددين الايرانيين بتقاربه مع الالمان والفرنسيين والقوى الآسيوية، في مشروع دبلوماسي تصالحي لسنوات سعى من خلاله لطمأنة الداخل الايراني والخارج الغربي.

اليوم نجاد عقد المسألة الايرانية كثيرا فهو لم يخسر فقط المعتدلين في واشنطن بل خسر حتى الذين يكرهون اميركا في اوروبا عندما جاهر بمواقفه في قضية المحرقة اليهودية التي لا يشكك في صحتها اكثر الالمان تطرفا. وكان بامكانه ان يركز على التطرف الاسرائيلي الصهيوني لأن النازية كانت بالفعل نظاما بشعا يحتقر عمليا كل الاعراق، غير العرق الاوروبي الابيض، بما في ذلك السود وعرب شمال افريقيا وغجر اوروبا، لا اليهود فقط.

علة نجاد انه رجل مؤدلج وجد نفسه رئيسا لدولة كبيرة وهو، مثل غيره، سيكتشف مع مرور الوقت انه يضر ايران وشعبها أكثر مما يضر بخطبه النارية الدول الكبرى التي تملك من القوة والنفوذ ما يجعلها قادرة على ايذائه.

ومؤسف حقا ان نرى ايران تسير في هذا الدرب المتطرف في وقت سبق ظهوره تراجع رموز الثورة القدامى، بمن فيهم اكثرهم تطرفا منتهجين الخط المعتدل، مثل قائد الطلبة الذين احتلوا السفارة الاميركية وأخذوا موظفيها رهائن في مطلع الثورة. فقد اعترف بخطأ ما حدث وان التطرف السياسي تسبب في الاضرار بمصالح الثورة. الآن يعود نجاد لارتكاب الخطأ نفسه باصراره على التخصيب النووي حتى أدخل ايران القفص الدولي بعد ان كانت قاب قوسين من الخروج من آخر المقاطعة الدولية. مصلحة ايران الحقيقية ليست في الطاقة النووية ولا التسلح بل في تطوير امكانياتها الداخلية وبناء قدراتها التنموية في الصناعة والزراعة والتعليم والتطبيب، كأي دولة نامية أخرى.

[email protected]