محاكمة صدام .. لا تفسدوها

TT

مؤسف إذا صحت الأخبار عن أن القاضي رزكار أمين الذي يحاكم صدام حسين قدم استقالته تحت ضغوط حكومية وحزبية عراقية.

صحيح أن هناك انتقادات حول الطريقة التي يدير بها المحاكمة، وانه يتعامل مع صدام وكأنه ارتكب مخالفة مرورية، وانه سمح له بالخروج على تقاليد المحاكم المعروفة وممارسة البلطجة والحديث بلغة إسفاف، لكن كل هذا يجب ألا يعني أن من حق أية حكومة أو حزب أن يطلب قاضيا بمواصفات محددة يرضى عنها، وإلا فلا بد من تغييره.

استقلال القضاء وابتعاده عن الضغوطات هو أهم ملامح الحياة الديمقراطية، فإذا تم التدخل بالقضاء تحت أية حجة سقط أهم مبدأ ديمقراطي وهو استقلال القضاء ونزاهته. وصحيح أن صدام حسين مجرم تلوثت يداه بدماء الأبرياء، لكن محاكمته شهادة على أن العراق يسير في الطريق الصحيح، وأن الاحتكام للقضاء وحق الإنسان، أي إنسان، ومهما كانت جريمته، بالدفاع عن نفسه، هو أحد أهم المبادئ الدستورية والقانونية.

القاضي العراقي رزكار أمين مهما كان الاختلاف في أدائه في المحكمة، هو أول قاض في العراق منذ انقلاب 1958 يمارس القضاء بشكل نزيه، ومحكمته هي البديل لمحاكم الثورة التي قتلت الأبرياء دون ذنب، ومحاكم المهداوي التي كانت تمثيلية يتم فيها إهانة الناس وإيذاء مشاعرهم وشتمهم ثم إعدامهم، ومحاكم صدام الفورية التي قتل فيها عدد من «الوجبات»؛ وهو يقف فوق المسرح في قضية ناظم كزار الشهيرة. إذا ثبت أن القاضي رزكار أمين استقال تحت ضغوطات الحكومة العراقية والأحزاب السياسية، فإن هذه ردة إلى الوراء في بلد يحاول الخروج من عقلية الإعدام والقتل والمقابر الجماعية إلى مجتمع يحترم الإنسان، ويلجأ فيه الأفراد إلى القضاء كملاذ آمن للجميع بغض النظر عن مواقعهم الاجتماعية.

محاكمة صدام ليست محاكمة لشخص، ولكنها محاكمة لنهج ولعقلية فاسدة، ولمرحلة نادرة من الاستبداد، فلا تفسدوها، ولا يعتقد أحد انه يستطيع تفصيل قاض على مقاساته السياسية الخاصة.