إنهم لا يتوقفون عن التحرش

TT

إنهم لا يملون، ولا يزهقون، ولا يتوقفون أبداً عن التحرش بالإسلام، تحت غطاءات مختلفة، وأحياناً من دون غطاء. إنهم يتعمدون الاستفزاز، الذي يولد الفعل غير المسؤول، والذي يدفعنا، أحياناً، إلى تكرار البدهيات، لإنعاش الذاكرة، وأحياناً أكثر إلى وضع لباب العيش في آذاننا حتى لا ندور وراءهم مستدرجين إلى المراء الفارغ. في عدد «الأهرام» 2/1/2006، بالصفحة 12 نقرأ عنوان «لمثقف ومثلث الحصار»، و«مثلث الحصار» هو اللافتة الجديدة للقديمة «ثالوث المحرمات»، التي ترى السياسة، والدين، والجنس، عوائق تمنع «حرية» الإبداع. والمقال الأخير، مثل غيره من تراث المتكلمين عن «الثالوث» السالف ذكره، يتدلل على «السياسة» ويتعلق برقبة «السلطة»، يزغدها زغدة ويقبلها عشراً، وهو متدفئ في حضنها، توطئة لتسديد القبضة للضرب العنيف على ما أصبح يسمى: «المؤسسة الدينية». ولأن الأزهر الشريف قد أخذ حالياً حماية مؤكدة من السلطة السياسية، لذلك أصبح لازماً على الأساتذة، الخاطفين للساحة الثقافية في مصر، أن ينوهوا بأدب إلى أن المقصود ليس «الأزهر الشريف». ما هو المقصود إذن؟ المقصود في هذه المقولة العامة الهلامية، التي يمكن أن تسدد إلى كل صوب: «... ذلك الاتجاه المتزايد لاعتبار الدين هو المرجعية الأولى والأخيرة في كل شيء...»، أما ما هو توصيف هذه «المؤسسة الدينية»، التي ليست «المؤسسة الرسمية أي الأزهر الشريف»؟ فإنها: «...علاقة هذا الاتجاه الديني مع رجال الثقافة والفكر» التي «لا يمكن أن تكون علاقة جدل وحوار، فرجل الدين يرى الأشياء دائماً بمنظور الحق والباطل، والحياة السياسية لا تقوم إلا على الرأي، والرأي الآخر...»، وأقف لأفهم هذه الجملة البهلوانية، التي تتكلم عن علاقة الاتجاه الديني مع «رجال الثقافة والفكر» والتي لا يمكن أن تكون علاقة جدل وحوار، ذلك لأن «رجل الدين يرى الأشياء دائماً بمنظور الحق والباطل»، ثم حين نتوقع أن نقرأ تكملة المقارنة بجملة «والحياة الثقافية...إلخ»، نجد التكملة قد شطت وعادت إلى «والحياة السياسية لا تقوم إلا على الرأي والرأي الآخر»! وعندما نتغاضى عن مصطلحات مغالطة وخطأ مثل «رجل الدين» و«رجل الثقافة»، إذ أن معظم تراثنا الإسلامي يوحد تماماً بين «عالم الدين» و«رجل الثقافة»، لا يمكننا أن نمرر تعارض «منظور الحق والباطل» و«الرأي والرأي الآخر»، فما «الحق» و«الباطل» إلا «رأي» و«رأي آخر»، أليس كذلك يا أولى الألباب أم ماذا؟

لقد تمت «المحاصرة» فعلاً من قبل أقل الناس علماً وثقافة وأدباً، وأصبحوا هم، رغم أقليتهم الضئيلة، الأعلى صوتاً ونفيراً، مما جعل العقلاء وغالبية الناس، القابضة على عقيدتها الإيمانية، تدير ظهرها للصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية، إلا من رحم ربي، حماية لآذانها واتقاء للتحرشات المسؤولة عن ردود الأفعال التي لا تملك كبح جماحها أمام الاستفزازات المستمرة، والتي وصلت في بلادنا حد الحديث عن حقوق «المثليين»، نعم هذا حدث بالفعل ومن لا يصدقني أسوق له هذا المثال من عدد مجلة مصرية،(احتفظ باسمها ولدي نسخة من عددها)، حين قالت من قالت (صفحة 116)، في موضوعات «الهوية والأديان»، إن مسرحنا لا يستطيع مناقشة: «... بعض الحقوق التي أصبحت في العالم الغربي، مثل المثلية الجنسية والتي يمكن أن يعبر عنها في مسارح أوروبا، بينما في مصر لا نستطيع مناقشتها على خشبة المسرح بالرغم من وجود مثليين في مصر، فلدينا قدرة غريبة على القضاء على حرية التفكير والتعبير المسرحي بفكره وجسده...»، ثم أفادت: «على المسرح أن يتوسع عبر البصر ويتخلص من الحياء الذي يلازمه وأن يتحرر من فكرة العيب المتأصلة تماماً منذ الطفولة في ثقافتنا العربية...». وهذا تقريباً ما أوصى به مقال منشور في 2/1/2006 بجريدة «الأهرام» وأشار إليه بمصطلح «تقاليدنا الشرقية» التي علينا التخلص منها!

والله أنا زهقت ومليت، لكن لا يجوز أن نكون «كصاحب الحوت»، ولنصبرن بتسبيح «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».