استقالة رائد الاستنساخ الكوري.. وأخلاقيات البحث العلمي

TT

طالعتنا وكالات الأنباء مؤخرا بنبأ استقالة رائد الاستنساخ الكوري الجنوبي هوانغ وو سوكHwang Woo-Suk ، وذلك بعدما ذكرت لجنة تحقيق جامعية علمية أن نتائج بحث مهم نشره في مجلة «ساينس»Science العلمية الشهيرة في مايو (أيار) الماضي، عن انتاج خلايا جذعية جنينية Emberyonic Stem Cells من جنين بشري مستنسخ، مصممة لعلاج مشاكل صحية، قد تم تزويرها عن عمد .

ويعد هوانغ وو سوك أشهر علماء ورواد الاستنساخ في كوريا الجنوبية، التي منحته لقب «أعظم عالم في البلاد»، بعدما اشتهر في الدوائر العلمية خلال العامين الأخيرين بأبحاث الخلايا الجذعية، واستنساخ أول أجنة بشرية في عام 2005، واشتهر أيضا بأنه قاد الفريق الذي استنسخ في عام 2005 أول كلب أطلق عليه اسم «سنوبي»Snuppy وهو اختصار للأحرف الأولى من عبارةSeoul National University Puppy وهو من سلالة كلاب الصيد الهاوندHound . ويذكر أن حكومة كوريا الجنوبية قد دعمت بقوة أبحاث هوانغ وأنفقت عليها ملايين الدولارات والتي وصلت لنحو أربعين مليون دولار .

وقد أشارت لجنة التحقيق الجامعية المكونة من تسعة أعضاء من جامعة سيول الوطنيةSeoul National University ، التي ينتمي اليها هوانغ، الى أن واقعة النتائج المختلقة والمزورة عمدا تمثل سوء سلوك يضر بأصول العلم، وقد جاء رد هوانغ سريعا، بقوله «أقدم استقالتي كأستاذ في جامعة سيول الوطنية كاعتذار من جانبي لما سببته من هزات كبيرة وخيبة أمل»، ويذكر أيضا أن هوانغ كان قد تعرض لضغوط للتخلي عن أبحاثه ومناصبه الأكاديمية منذ اعتذاره في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لتبرع سيدتين من صغار الباحثين في فريقه ببويضات لأبحاثه، ولأنه لم يفصح عن ذلك في حينه، ويعد تسترا على مخالفات للأخلاقيات المهنية في مختبره، والذي أثار جدلا دائرا حول أخلاقيات منح البويضات لغرض الاستنساخ والبحث في مجال الخلايا الجذعية .

وجدير بالذكر أن حادثة تزوير هوانغ، ليست الأولى من نوعها في تاريخ العلم والبحث العلمي، فقد تم ضبط العديد من حالات التلفيق والتزوير العلمي على صفحات المجلات العلمية، والتي تقودنا للحديث عن واقع وأخلاقيات البحث والنشر العلمي وبخاصة في عالمنا العربي، حيث يلجأ الكثير من الباحثين لاعداد رسائل وبحوث جامعية مكررة يتم نشر نتائجها سريعا والتي قد تكون غير دقيقة، وذلك بهدف فقط نيل الدرجة العلمية في أقرب وقت، فقد يلجأ بعض الباحثين لاجراء بعض التغييرات الشكلية لعنوان رسالته أو دراسته، وقد يسطو البعض على الاطار النظري والدراسات السابقة لباحثين سابقين دون أن يكلف نفسه عناء ودقة البحث وبخاصة مع توافر وانتشار أجهزة الكومبيوتر وخدمات البحث على شبكة الانترنت، كل هذا وغيره دون مراعاة لقواعد وأصول وأخلاقيات البحث العلمي المتعارف عليها .

ويرتبط بأخلاقيات البحث العلمي أيضا، نشر البحوث والدراسات بالمجلات العلمية، اذ نلاحظ للأسف الشديد أن البحوث المنشورة مكررة، كما أن غالبية المؤلفين المشاركين في هذه البحوث، غالبا ما تكون مشاركة شرفية وليست فعلية، بمعنى ظهور أسماؤهم فقط على هذه البحوث دون أن يكون لهم جهد في اعدادها والقيام بها، وذلك بهدف الترقية، وقد يقتصر دورهم فقط على تقديم التسهيلات الادارية من خلال موقعهم كرؤساء للأقسام أو مشرفين علميين، ولهذا فإنهم قد يتهربون من المسؤولية اذا ما ظهرت أخطاء وتجاوزات علمية في هذه البحوث، كما أن مهمة التحكيم العلمي للرسائل الجامعية والبحوث العلمية، والتي يفترض أن توكل في الغالب لأساتذة أكفاء مشهود لهم بالكفاءة والسمعة العلمية المرموقة، قد لا يسمح وقتهم وأعمالهم الكثيرة للقراءة والمراجعة العلمية الدقيقة لهذه الرسائل والبحوث، وبالتالي يتم اللجوء الى عمليات تحكيم شكلية يقوم بها آخرون، قد لا تتوافر فيها الدقة المطلوبة، مما يؤدي بالتالي لظهور أخطاء ونتائج غير صادقة في البحث العلمي .

كما أن التكالب والسباق والتنافس المحموم بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ومراكز البحوث، على الاشراف على الرسائل العلمية حتى لو كانت بعيدة عن تخصصاتهم والإسراع في نشر أكبر عدد ممكن من الدراسات المكررة لتقديمها الى لجان الترقية ـ والتي في الغالب تهتم بالكم دون التحقق من دقة وقيمة هذه البحوث ـ وذلك بهدف الحصول سريعا على الترقية العلمية، مما قد يؤدي الى تزييف وتلفيق في النتائج العلمية. كما أن الكشف عن وقائع التزوير العلمي في الدراسات والبحوث العلمية في جامعاتنا قد يكون محفوفا بالمخاطر والوقوع في المهالك.

وأخيرا.. فهذا قليل من كثير من هموم البحث العلمي في عالمنا العربي، الذي يجب أن يكون اضافة حقيقية للعلم وحل لمشكلات الفرد والمجتمع في المقام الأول، وهذا لا يتأتى الا من خلال خطط بحثية بالجامعات تراعي المصلحة العامة، يتم من خلالها تكليف الباحثين باعداد بحوث ودراسات في موضوعات ومشكلات حقيقية يعاني منها المجتمع وتتطلب حلولا واقعية، كما أن هناك ضرورة علمية لتنمية مهارات وأخلاقيات البحث العلمي لدى الباحثين والدارسين، وأيضا تغيير نظام الترقيات العلمية بحيث يهتم بدقة ونوعية وأهمية البحوث المقدمة، حتى نجنب الباحثين الوقوع في تكرار البحوث والإسراع في معالجة النتائج، وحتى نضمن في النهاية بحوث على درجة عالية من الدقة ترقى للنشر في المجلات العلمية المتميزة والمؤتمرات الدولية المرموقة، ونستطيع أن نطلق عليها بعد ذلك مصطلح «البحث العلمي» الذي يحمل في طياته الكثير من المعاني والقيم السامية التي للأسف قد أضعناها.

* باحثة مصرية

مقيمه بأميركا