ما الذي يجمع بين أحمدي نجاد وقس أميركي متعصب؟

TT

تلتقي السياسات الدينية مع بعضها حتى حينما تكون ذات مشارب مختلفة بشكل جذري. واتضح ذلك من خلال توجيه الشكر لله على مرض آرئيل شارون من طرفين متعارضين ظاهريا تماما. ولهذا السبب يستحق البروتستانتي الأميركي بات روبرتسون، والرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد الإدانة لحسهما الضال وللطبيعة التي تفتقد الاحترام التي يمتلكانها حينما عزا كل منهما لما أصاب شارون من رغبة انتقامية للرب منه.

هناك خلافات كبيرة تفصل بين هذين الشخصين المتطيرين فروبرتسون هو خطر بالدرجة الأولى على نفسه فهو لا يعد أن يكون ممثلا مهرجا ظل فوق خشبة المسرح لفترة طويلة جدا وهو الآن في طور تحطيم نفسه. ولعل روبرتسون ساعد على تشويه صورة المتطرفين الإسرائيليين الذين دخلوا أيضا تحت أغطيته الأيديولوجية.

من جانب آخر فإن أحمدي نجاد أصبح وبشكل سريع خطرا على استقرار العالم ينوي أن يأخذ اليهود وكفارا آخرين معه إلى السحب النووية المقدسة ليوم الحساب. وهذا الزعيم لا يمثل دور المجنون بل هو مجنون ضمن أي مقاييس مراقبة عقلانية.

يأخذ صناع القرارات الأميركيون القليل من السلوى لتصرف أحمدي نجاد المتقلب وتصريحاته. فبعضهم يرى أنه قد يجر إيران قريبا إلى ثورة ثقافية شبيهة بتلك التي جرت في الصين على يد ماوتسي تونغ. وأدت تلك الثورة الثقافية في الصين إلى امتصاص طاقات البلد لأكثر من عقد لكنها قادت في الأخير إلى انتقال البلد صوب الطرف الآخر البعيد عن سياسات حروب العصابات في العالم وعن الماركسية.

تشير مواقف أحمدي نجاد المتهورة إلى أنه قادر على التصرف بطريقة تضمن هزيمته داخل حدود بلده أيضا. فالإيرانيون قدموا تبريرا لتحول الإدارة الأميركية إلى الدبلوماسية غير المواجِهة في الأسبوع الماضي عن طريق خلق نفور لدى أوروبا وروسيا والوكالة الدولية للطاقة الذرية في خبطة عشوائية واحدة.

فالإيرانيون قاموا ومن طرف واحد بإنهاء المفاوضات الدولية حول قدرات البلد على إعادة معالجة اليورانيوم عن طريق كسر الأختام الخاصة بالوكالة الدولية في ثلاثة مرافق نووية وبدأوا في تخصيب اليوارنيوم. وتشكلت قناعة قوية لدى وكالات الاستخبارات الغربية من أن إيران تبعد عن صنع قنبلتها النووية بخمس إلى عشر سنوات، حسبما جاء في التقارير الإخبارية.

وقد يمنح هذا التقدير لواشنطن مجالا كافيا كي تتبع استراتيجية إعطاء أحمدي نجاد حبلا أطول كي يعدم نفسه به، ومن المحتمل أن تكون هذه هي الاستراتيجية الأقل مغامرة بالنسبة لواشنطن على المدى القريب. ولكنها يجب ان تقترن مع فهم بان القوى الدافعة للسياسة الدينية في ايران هي أوسع بكثير من احمدي نجاد وآيات الله الأكثر محافظة في ايران الذين لا بد انهم يشعرون الآن بالندم على دورهم في المجيء بمثير الفتن هذا الى السلطة.

لقد اصبح الدين قوة اساسية للتراجع امام التغير الاقتصادي والسياسي في الكثير من اجزاء العالم. ان حقيقة أن روبرتسون، الشخصية البارزة في اليمين الديني في هذا البلد، وجد نفسه متلاحما في الخطاب مع الرئيس الايراني في دعوته الى العقاب الالهي لشارون، ان هذه الحقيقة تشير الى أن الولايات المتحدة ليست مستثناة من مثل هذا التراجع.

رد الفعل هو ما يدفع روبرتسون والحالم الشيعي احمدي نجاد، والمتشددين السنة، وطوائف أخرى لا نهاية لها بالمعنى التاريخي الواسع.

انهم وأتباعهم الموالون لهم يخوضون قتالا بطريقتهم الخاصة ضد انتشار الابتذال وعلمانية المجتمعات التي يبدو انها تحت اغراء الابتعاد عن الدين بالكامل. وهذه في معظمها من حركات الثورة المضادة، غير المتوافقة مع مسار علماني للتاريخ الذي يمكن أن يقوم كثير منهم بتدميره بدلا من قبوله.

وهذا هو السبب الذي يجعل من المحتمل لقدرة الدبلوماسية على احتواء المتعصبين الايرانيين وطموحاتهم النووية أن تكون محدودة في مداها وفترتها الزمنية.

كبلد نحن بحاجة الى استراتيجيات عالمية واسعة تأخذ بالحسبان، على نحو جلي، دور الدين التغييري في العالم، والاحتمالات الواسعة للجوانب السلبية وكذلك الايجابية لهذه التغيرات.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست»