يا الله، كم أنا خجول!

TT

في يوم من الأيام لا الليالي، أي في عز النهار، كنت أتسكع كعادتي في هذه الحياة، ولكنني في ذلك اليوم بالذات، كنت أتسكع على الرصيف محاذياً ضفاف نهر (السين) في مدينة باريس (البشعة)، ولا اكذب عليكم أنني كنت سعيداً، بل ومنتشيا إلى حد لا يصدق، واكبر دليل انه كلما واجهتني امرأة مهما كانت إلا وتبسمت لها وقلت لها (بونجور)، والحمد لله أن كل من واجهتهن كن يبادلنني التحية ببراءة منقطعة النظير.

والواقع أنني كنت مبتهجا (بجد)، وثيابي كلها لا تسعني، بل انني شككت أن باريس وفرنسا والعالم كله صغيرة على (جنابي)، كيف لا وأنا في تلك الساعة كنت أتذوق طعم الحرية الذي لا يقاوم؟!، ووالله أن عيني دمعت بعد أن درت حول نفسي (180 درجة) ما لا يقل عن عشر مرات دون أن يقول لي احد: توقف، أو ليه أنت مجنون؟! أخذت أسير وأسير، وبين الحين والآخر كنت انزل إلى النهر كلما شاهدت بطة أو بطات، لأرمي لها قليلاً من خبز (الساندوتش) الذي أكلت نصفه فقط، لأنه لم يعجبني غير انه أعجب البط تماماً.

الغريب أن عواطفي في تلك الساعة كانت (ملائكية)، رغم أنني اعرف نفسي كما لم يعرفها احد، اعرفها بمنهجها (الحيواني) الصرف المخجل الذي لا يخجل، لهذا عجبت من تلك المشاعر الملائكية التي لم أتوقعها وأتت في غير وقتها ومكانها ومناسبتها، ولكنني (ما صدقت على الله) إنها أتت، (فكلبشت) بها. إنني يا سادتي في ذلك الوقت كنت (استحق الاحترام ولا استحقه)، أما كيف استحقه؟!، لأنني لم أحاول أن اخرق الأرض أو ابلغ الجبال طولا، كنت في بعض الأحيان امشي على قدمي، واحترم حقوق الإنسان، وهذا هو المهم، إما انني لا استحق الاحترام، فهذا مؤكد وموثق بالصوت والصورة، وذلك عندما أكشر عن أنيابي أمام (المرآة)، أو إذا ما فكرت بالقنبلة (الهيدروجينية) لا الذرية، أو إذا ما سألت بائعاً عن ماركة نوع من ملابس الرجال وليس النساء، الخارجية منها وليس الداخلية، عندها فقط لا استحق الاحترام على الإطلاق، بل وفوق ذلك تركبني العفاريت الزرق، ولا أستطيع أن افرق ما بين خالتي، وبين ابن عمي، رغم أن الأخير لديه شارب والأخرى حليقة.

أعود لضفاف السين بعد أن أعياني المسير، ووقفت أتفرج على مجموعة كبيرة من اللوحات والصور والكتب وبعض الحسناوات، ولفتت نظري لوحة (للموناليزا) ما غيرها، التي رسمها (ليوناردو دافنشي) وكلكم تعرفونها، ليس هذا هو المهم، فمثل تلك اللوحة طبع منها ملايين النسخ في كل أنحاء العالم، غير أنني ضحكت عندما عرفت انه مكتوب تحت تلك اللوحة المطبوعة العبارة أو الملاحظة التالية: السعر هو: 22 يورو، النسخة غير أصلية، فسألت من كانت بجانبي ولا اعرفها ولا تعرفني، بكل ما أعانني الله من (دباشة) وجلافة: بكم تشتريني يا حلوة؟، فقالت بكل ما أعطى الله فتيات باريس من لعانة: هل أنت أصيل أم مزيف مطبوع؟!، وعندما نظرت إلى نفسي هالني ما رأيت، ولم اجبها وإنما تواريت هاربا من شدة الخجل.

[email protected]