محاربة العنف لا ملاحقة الإرهابيين فقط

TT

بينما انشغل وزيرا الدفاع والداخلية العراقيان بملاحقة المتطرفين سياسيا ودينيا الذين انخرطوا في العمل المسلح، اعلن وزير التربية العراقي بدوره عن حرب جديدة هي منع الضرب في المدارس وملاحقة المدرسين المخالفين. انها محاربة ثقافة العنف في داخل العراق الذي يتهم دائما بانه جبل على القتل والسحل والضرب والشجار.

والعراق، مثل بقية دولنا العربية، في حالة بناء للمجتمع وليس فقط ملاحقة اللصوص والارهابيين. وبناء اي مجتمع فيه تحديات ابرزها التربية، لا الطلاب وحدهم، أي تربية المؤسسة الحكومية ومجتمع المدرسين والآباء. المشكلة نختصرها في همجية فئات من المجتمع. فترى مجتمعاتنا  في فوضى لأنها في حال انتقال سريعة من وضع قروي الى مدني، بما يعنيه من رضى وإطاعة للقوانين. ومجتمعاتنا التي انتقلت من عصر الحطب الى الكهرباء ومن الجمال الى السيارات في فترة زمنية قصيرة تريد ان تختصر قرونا من التحضر وهو امر لن يكون سهلا. اما محاربة الارهابيين في العراق وغيرها فهي مسألة وقت، فالدولة أقوى وتزداد منعة وستستطيع دحرهم مهما انتصروا في معارك متفرقة. لكن يتبقى على الدولة أولاً ان تربي منسوبيها مثل المشمولين بحق حمل السلاح واستخدامه، فلا يتحول منسوبوها من رجال الأمن مع الممارسة واللا محاسبة وذرائع محاربة الارهاب الى عصابات تحاول ادارة مجتمعها بقوة السلاح بدل الاحتكام الى القانون.

واعتقد ان معركة وزيري الدفاع والداخلية هي عمليا أسهل من معركة وزير التربية لأن محاربة العصابات أهون من مواجهة ظواهر الرفض الموروثة العريضة. والتجارب المماثلة بمنع العنف التدريسي في الدول العربية الأخرى لم تفلح كثيرا في تغيير مظهر الاستاذ المتجبر والطالب الخائف.

العنف ثقافة متجذرة في مجتمعاتنا تولد في البيت وتمر بالمسجد وتتبلور بشكل واضح في المدرسة التي يمضي فيها الشباب معظم اوقاتهم. وبدون ان تكون هناك جدية وشمولية في الحرب على العنف فلن تفلح العلاجات الادارية والتسويق الكلامي. تصبح ناجحة عندما تكون جادة بايجاد قوانين تربي المجتمع، كأن تجابه ممارسي العنف وتعاقبهم. فيصبح من حق التلميذ محاسبة استاذه الذي يحمل عصا في الفصل الدراسي في محاكم البلاد، والشرطة لها ان تتدخل وتحاسب الاب الذي يفرغ غضبه في اطفاله، واعتبار كل من يلجأ الى العنف او يرد عليه بعنف مثله، او يتستر عليه، مداناً في عين القانون.

هكذا يضطر الاستاذ الى البحث في وسائل اكثر حضارية في التعامل مع تلاميذه لا يكون بينها الضرب، والأب يتعلم ان واجبه ان يربي اطفاله من دون جلدهم.

من خلال الضوابط يعترف المجتمع بكل فئاته ان اللجوء الى العنف جريمة ويحاسب عليها القانون ككل الجرائم البشعة الأخرى. وعندما يصبح هناك اجماع على هذا المفهوم، وتتم ممارسته على أرض الواقع، يتخلص المجتمع المدني من اسوأ عاداته، العنف على كل الأصعدة.

[email protected]