فلة العربية

TT

ذهبت لأشتري هاتفا محمولا بعد أن سرق مني هاتفي للمرة الثانية في شهر واحد. نصحتني صديقة بعد أن سمعت قصص سرقة هاتفي لتفادي اللصوص، بأن أشتري هاتفا متواضع الشكل والإمكانات من النوع الذي لو نسيته في محل لحقني به اللص صائحا:

ـ يا مدام هاتفك نسيته.

وأثبتت لي صدق روايتها بأن أشهرت في وجهي هاتفها المحمول، فما زادني شكله إلا انكارا له.

قال لي البائع السوداني: هذا الهاتف بألفي ريال ما يعادل 533 دولارا تقريبا، وهذا الآخر بثمانمائة ريال، 231 دولارا.

قلت: أيهما افضل؟

قال: إذا كنت تملكين نقودا فالأحسن لك أبو الفين طبعا، وإذا ما معاك خذي أبو ثمانمائة وأمرك لله!.

قلت: ليست القصة في النقود بل في اللصوص، فقد سرقوا هاتفي مرتين!.

قال: آه.. يبقى أنت مهملة!. خذي هذا؟

عزت علي نفسي «المسروقة» كيف يتهمها البائع بالإهمال، قلت نكاية فيه: أريد هذا؟ لكنني فكرت فقلت: نكاية باللصوص هذا؟

لكن مقاصدي كلها خرجت عن طريقها مثل سيارة مسرعة تتجاوز المائتي كيلو حين قال لي قريبي الواقف بجانبي: ليس مناسبا أن تحملي هاتفا متواضعا مثل هذا، خذي هذا.

نحن دائما لدينا قدرة على إخراج وسائل التقنية الحديثة من سياقها التقني الرامي لتذليل الصعوبات ومساعدتنا على تسهيل حياتنا بالتطور والتقدم، ونقلها لسياق اجتماعي نسبغ عليه تفكير وسلوك ذهنية لا تعكس إلا تخلفنا.

هذه الذهنية أصبحت اليوم صفات مشتركة بين معظم شعوبنا العربية. مرة قرأت خبرا أن رجلا كان يقطع الشارع وهو مشغول بالحديث بالهاتف المحمول فصدمته سيارة، لكنهم اكتشفوا بعد أن مات أن الهاتف الذي كان يتمظهر به كان لعبة هاتف بلاستيك.

أتذكر هذه المشاهد المضحكة اليوم، وأنا أتطلع للتقرير الذي نقلته قناة العربية وبعض أخبار الفضائيات عن تطور لعبة «باربي» الشقراء، طويلة الساقين واليدين، مسحوبة العينين، إلى لعبة اسمها «فلة» بقيت كما هي لكن وضع عليها لباس أسود يشبه زينا المحلي وشرشف أبيض، صنع بأيد أجنبية. هذا الزي حققا فقط في سوق متواضعة مثل السوق المصرية أرباحا تجاوزت الأربعين مليون دولار، فما بالكم بالأسواق الغنية كأسواق الخليج مثلا.

استثمار ظاهرة الاستهلاك المحلي بالضحك علينا تشير إلى أن العرب لا يملكون غير هذا الدور الوحيد على قيد الحياة. الهجمة العربية الشرسة استطاعت أن تغير قدر باربي من فتاة غربية إلى فتاة عربية، بعد أن خاف العرب من أن تنجح باربي الشقراء في أن تزرع أناقتها وثيابها ولون شعرها، كنموذج للفتاة العربية، فتغربها عن ثقافتها وتسطو على قيمها، هذا فقط ما كان يقلق العرب. لم يقلق العرب أن اسواقهم أصبحت تلتهم بنهم كل ما تطرحه البحار العالمية من كل حدب وصوب، دون منافسة عربية ناجحة، منفردة كانت أو مشتركة!.

لا يقلق العرب أن عالمهم لا يحمل مسحة ابداع عربية واحدة، ولم يقلقهم غياب مراكز البحوث العلمية ولا قواعد ومعامل ومصانع المخترعات المتطورة، لم يقلقهم أن لا تجد صرخة أحمد زويل أذنا واحدة، تنفذ مشروعه، عندما صرح أنه بحاجة لمليار واحد فقط لينشئ أكبر قاعدة بحث علمي تهتم بتخريج العلماء العرب في المنطقة العربية، وترعي العقول العربية، لهذا عرف لصوص الأسواق العالمية أن العرب زاهدون قانعون بما لديهم، وكل مطالبهم الصغيرة لا تتمثل إلا بغطاء أسود للعبة وشرشف أبيض، وأن يصبح اسم «باربي» «فلة»!.

[email protected]