كيف نجا الظواهري من ليلة الصواريخ في «دامادولا»؟

TT

حب أيمن الظواهري للاعلام والظهور التلفزيوني، قد يكون ساعد القوات الاميركية على تحديد المنطقة التي يتنقل فيها على الحدود الباكستانية ـ الافغانية.

ففيعام 2004، «أنتج» الظواهري ورئيسه أسامة بن لادن، خمسة اشرطة تسجيلية لكل واحد منهما، ومنذ شهر ديسمبر (كانون الاول) 2004، كان بطل الاشرطة الصوتية والمصورة، الظواهري وحده، إذ انه انتج عام 2005 سبعة اشرطة، خمسة في النصف الثاني من العام. أما بن لادن فقد توقف عن التسجيلات الصوتية والمصورة منذ اواخر عام 2004، الأمر الذي أثار الكثير من التكهنات حول مصيره ودفع البعض الى التشكيك باحتمال ان يكون قد توفي، لا سيما ان المعروف عنه ولعه بالاعلام وتصوير كل حركة من حركاته. على كل، فإن تزايد تسجيلات الظواهري سمحت للاستخبارات الاميركية باقتفاء اثره اضافة الى سلسلة من الاحداث وقعت فوق الاراضي الباكستانية وكلها لها علاقة بتنظيم القاعدة.

ولم تقم مظاهرات معادية كتلك التي أعقبت العملية الاخيرة، كما ان السلطات الباكستانية لم تحتج عليها، لا بل ساعدت الاميركيين في الكثير منها.

في شهر مايو (ايار) من العام الماضي، ألقت السلطات الباكستانية القبض على ابو الفرج الليبي، الذي صوِّر على انه الرجل الثالث في القاعدة، في منطقة ماردان، شمال غربي باكستان، وسلمته الى الاميركيين، قيل يومها انه كان مختبئاً عند قبيلة «ماموند» في اقليم باجور في منطقة القبائل الباكستانية. ويعتبر اقليم باجور معقلاً لمنظمات موالية لطالبان والقاعدة، أبرزها منظمة «حركة تطبيق الشريعة الاسلامية»، وتضم عدداً كبيراً من المتقاعدين وايضاً العاملين في الجيش الباكستاني من ذلك الاقليم ومنطقة القبائل، وكان الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف حلها في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2002، وأمر باعتقال اميرها مولانا صوفي محمد، الذي لا يزال في السجن.

حسب التقارير، فإن ابو فرج الليبي أبلغ اثناء التحقيق معه، ان بن لادن والظواهري مختبئان في المهماند في اقليم الباجور. انطلاقاً من هذه المعلومات، وبناء على طلب الاميركيين، طوّق الجيش الباكستاني المنطقة وقام بتفتيشها، واعتقل اثنين من الاوزبكيين وبعض الافغان وعددا من اعضاء حركة «تطبيق الشريعة الاسلامية» الذين كانوا هاربين، لكن لم يتم اعتقال اي عربي ينتمي الى القاعدة. بعد العملية قللت الاستخبارات الباكستانية من صدقية اقوال ابو الفرج الليبي، لا سيما تلك التي تشير الى ان قبيلة ماموند تأوي بن لادن والظواهري، غير ان مسؤولي الاستخبارات والجيش الاميركيين العاملين في منطقة كونار في افغانستان، أخذوا اقواله على محمل الجد. ومنذ شهر يوليو (تموز) الماضي، وبناء على اقوال ابو الفرج، يضاف اليها التقارير الواردة من مصادر منطقة القبائل، كرر هؤلاء انهم يعرفون مكان وجود بن لادن والظواهري، انما عاجزون عن الامساك بهما.

لاحظ المتابعون انه منذ اعتقال ابو الفرج، وما أدلى به اثناء التحقيق معه، ضاعفت القوات الاميركية في افغانستان من حركة مطاردتها لزعماء القاعدة داخل باكستان، وركزت نشاطها على المناطق التي يقيم فيها ابناء قبيلة ماموند. والى جانب تدعيم قدرات الاجهزة الأمنية الإلكترونية القائمة على الجهة الافغانية من الحدود، وطلب مساعدة مهربي الهيرويين في المنطقة، واغلبهم ينتمون الى قبيلة ماموند، قامت القوات الاميركية بعمليات خاصة داخل باكستان لاكتشاف كيفية قيام الظواهري بتسجيل الرسائل الصوتية ـ المصورة، حيث لا يفارق الرشاش جانبه، وايصالها الى الفضائيات كالجزيرة وغيرها. الذي سهّل هذه العملية الاميركية إكثار الظواهري من التسجيلات وارسالها، وحسب تقارير غير مؤكدة، فقد استطاع عملاء الاستخبارات الاميركية الناشطون داخل باكستان، توقيف احد حاملي رسائل الظواهري، ويقال انهم لم يبلّغوا السلطات الباكستانية بأمر الاعتقال، وتم نقل الشخص فوراً الى داخل افغانستان للتحقيق معه.

أخيرا، وصلت تقارير بأن الظواهري وحراسه الشخصيين سيمضون ليلة 12 من الشهر الجاري في منزل أحد مهّربي الاحجار الكريمة في قرية دامادولا. ولهذا قامت طائرات أميركية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.اي) بغارتين صاروخيتين، الاولى عند الثالثة من صباح 13 الجاري، والثانية بعد نصف ساعة وقصفت تجمع منازل يقيم فيها افراد عائلة المهّرب المذكور. قُتل في الغارتين 18 شخصاً، عُرف منهم 14 من افراد العائلة، أما المهّرب فإنه كان غائباً يؤدي فريضة الحج ولم تُعرف هويات الاربعة الآخرين، ولم يستطع السكان المحليون التعريف عنها وهناك من يقول انهم رفضوا ذلك.

هذا الغموض حول الجثث المجهولة، دفع الى الاعتقاد بأنها للظواهري وحراسه. المسؤولون الباكستانيون استبعدوا الأمر وقالوا ان المعلومات في الاصل حول وجود الظواهري في القرية خاطئة، لكن حسب مصادر اخرى غير حكومية فإن المعلومات كانت صحيحة، وان غارة الصواريخ الاولى أخطأت الهدف، وان الظواهري ومرافقيه توقعوا حدوث غارة ثانية، فغادروا المكان بسرعة وقد صحّت توقعاتهم ولم يحذروا افراد العائلة الباكستانية، وعندما قصفت الصواريخ كان قد مضى على مغادرة الظواهري للمكان حوالي النصف ساعة.

كعادتهم في مثل هذه الظروف، نفى الاميركيون اي علاقة لهم بقصف تلك المنازل. وعزا المسؤولون الباكستانيون سقوط الضحايا الى انفجار مستودع سري للذخيرة، لكن بعد انتشار المظاهرات المعادية للاميركيين، احتجوا لدى السفير الاميركي في اسلام آباد رايان كروك، ونددوا بالغارة.

عملية الاسبوع الماضي هي الرابعة في الأشهر الاخيرة التي تقوم بها القوات الاميركية ضد اعضاء القاعدة في الاراضي الباكستانية، ففي شهر مايو الماضي قتلت غارة صاروخية، مجهِّز متفجرات القاعدة هيثم اليمني في شمال وزيرستان. وليل الاول من ديسمبر من العام الماضي، أطلقت طائرة من دون طيار تابعة لـ«سي.آي.اي» صاروخاً على منزل في قرية هايزوري، تبعد 30 كيلومتراً عن الحدود الافغانية شمال منطقة وزيرستان، بعدما وصلت الاميركيين معلومات عن تمضية ابو حمزة ربيعة الليل هناك. ومع رصد الاتصالات التي تبادلها جهاديون بعد الغارة، تبين ان خمسة اشخاص قتلوا في تلك الغارة، وذكروا اسم «نواب» بين الضحايا. وكشف مسؤولون باكستانيون ان «نواب» هو واحد من الاسماء المستعارة لابو حمزة ربيعة. في ذلك الوقت كان الرئيس مشرف في زيارة الكويت، وقال للصحافيين يوم الثالث من ديسمبر، اي بعد يومين على الغارة، انه متأكد بنسبة 200 بأن ربيعة بين الخمسة الذين قُتلوا، ثم كرر قائلاً انه متأكد بنسبة 500 من هوية ربيعة ( لم تحدث أي تأكيدات لاحقا كما لم يُذكر شيء عن اكتشاف جثته).

وفي السابع من الشهر الجاري، قُتل 24 رجلا في احداث دامية في شمال وجنوب وزيرستان، عندما هاجم رجال قبائل مسلحون نقطة تفتيش جديدة على جسر قرب مير علي المدينة الرئيسية شمال وزيرستان وقرب المكان الذي قُتل فيه ابو حمزة ربيعة. وقتل في المعركة ثمانية جنود، وفُقد تسعة، وجد ثلاثة منهم احياء لاحقاً. وبحثاً عن المفقودين الستة، قام مئات الجنود الباكستانيين بعمليات تمشيط، وأثناءها حلقت طائرات عسكرية اميركية تابعة للقوات الاميركية في افغانستان وقصفت منزلا لأحد مؤيدي طالبان مولانا نور محمد، فقتل 8 اشخاص وجُرح 19، ولم يصب رجل الدين بأذى.

بعد كل تلك العمليات، لم تحتج الحكومة الباكستانية لدى السفير الاميركي في اسلام آباد ولم تسر مظاهرات منددة، وعملية باجور التي استهدفت أخيرا الظواهري جاءت بعد كل تلك الغارات. ربما لو تأكد الباكستانيون من ان الظواهري قُتل في الغارة، لكان مشرف أعلن عن مقتله كما حدث مع ابو حمزة ربيعة وما كان تم تسيير مظاهرات تتزامن مع سفر رئيس الوزراء شوكت عزيز الى واشنطن.

من المؤكد انه لتنفيذ عملية بهذا الحجم داخل باكستان، فإن الاذن لا بد أتى من مراجع عسكرية عليا في الجانب الاميركي، واذا كانت العملية استهدفت فعلا الرجل الثاني في القاعدة، فإن الذين طلبوا الاذن بالسماح لهم في تنفيذ العملية كانوا على ثقة بأن هدفهم موجود عندما أطلقوا صواريخهم. حتى الآن لم يعلن الجيش الاميركي عن ان الظواهري كان في المنزل عند حدوث الغارة. باكستان تقول انه لم يأت الى العشاء، بل أرسل مساعديه. ليس السؤال طبعاً عما اذا كان الظواهري تناول عشاءه تلك الليلة، لكن اذا كان قد نجا بالفعل وقُتل في الغارة بعض اقرب مساعديه، فلا بد ان تذّكره الغارة بأن الاميركيين وراءه ولن يسمحوا له كما أشار في رسائله الاخيرة ، بالاحتفال بـ«هزيمتهم»، في العراق وفي افغانستان، هم قتلوا سابقا زوجته وأولاده، وهو يدرك بالطبع ان العملية الاخيرة كانت تنوي القضاء عليه، وانها سوف تتكرر!