«المقتطف» يا زيزي

TT

أواخر القرن التاسع عشر، أسس استاذان من الجامعة الأميركية في بيروت، فؤاد صروف وفارس نمر، مجلة علمية سمياها «المقتطف». وبعد تسع سنوات طردتهما الجامعة فسافرا الى الاسكندرية وأصدرا المجلة هناك ثم انتقلا الى القاهرة. وأحب فارس نمر مصر وبقي 26 عاما لا يعود الى البلد الذي ولد فيه يتيما. وفي القاهرة اصبح عضوا في مجلس الشيوخ (1916) ورئيسا «لمجمع العلوم الشرقية» واكتفى من ذكريات لبنان بزهرة «الفل» والعشاء اليومي من الصعتر والزيت والخبز الرقاق.

عدت الى القراءة في سيرتي فؤاد صروف وفارس نمر، بسبب ما ذكره الاستاذ محمد حسنين هيكل في بعض مقالاته عن الثاني وعلاقاته بالعرش وبالبريطانيين، اذ ان احدى بناته تزوجت من السفير البريطاني في القاهرة. لكنني عثرت بدلا من التاريخ على شيء آخر. عثرت على فارس نمر يقول في مفكرته: «ترددنا مدة بادئ الامر باصدار «المقتطف»، لان مطلبنا الاول كان شرح العلوم وبسطها لتأديتها الى افهام العامة، وعدم الاقتصار على الخاصة الذين هم في غنى عنها. والعامة كانت في تلك الايام تنفر من العلوم الطبيعية. والخاصة ايضا. وكان اكثرهم يرى ان تعلم العلوم العالية لا يعين على كسب الرزق، لذلك كنا نخشى اننا اذا انشأنا مجلة علمية يعرض الجمهور عنها فنعود خائبين فيما راتبنا ضئيل لا يكفي حاجتنا».

كان ذلك أواخر القرن التاسع عشر، فماذا عن القرن الحادي والعشرين؟ باستثناء بعض الاستثناءات النادرة، كجائزة الملك فيصل وبعض الاصدارات المترجمة عن حكومة الكويت، فإن حال العلوم اليوم اسوأ بكثير مما كانت عليه قبل قرن ويزيد. بل العكس تماما. فعندما انتقلت «المقتطف» الى مصر لقيت رواجا مستديما. وعندما ركب فؤاد صروف وفارس نمر الباخرة في بيروت، كانت وجهتهما اميركا. ولدى وصول السفينة الى الاسكندرية عرف محبو «المقتطف» بالأمر، فما زالوا حتى انزلوهما وقدموا لهما كل مساعدة.

من بين مئات المجلات المعلقة في الاكشاك العربية الآن ليست هناك مجلة علمية واحدة قادرة على الحياة. هناك طوفان مرعب من صور «النجوم» التي يبدو ان عددها على الأرض قد فاق عددها في السماء. ونحن محاصرون حصارا مريعا بهذا الكم الرهيب من اخبار «الفن». ومكتباتنا خالية تقريبا من مجلة تأمل بالعثور على قارئ غير مهووس «بالوضع الاجتماعي» الأخير للسيدات الفاتنات. وهو وضع يجب متابعته في الصحف في اي حال. لانه بين وصول الخبر الى المجلة وبين صدورها تكون الفنانة «زيزي» قد طلقت من «زوزو» وهي «تعيش قصة حب نهائية مع وظوظ». استحوا!