تحت الميكروسكوب ماذا ترى؟!

TT

أما أفكارنا فهي متشابهة في السياسة والحياة والدين.. ولكن أجسامنا مختلفة. فالجسد شخصي والفكر عام.. والجلد مختلف من شخص إلى شخص، ولكننا تحت الجلد سواء. وتحت الجلد كل الوظائف العضوية.. وأفكارنا وهمومنا.

وتقول: إنه لا يعيش تحت جلدي إلا أنا. أنا فقط.. ولكن في دماغي كل تجارب الحياة والناس والماضي والمستقبل والحضارات الإنسانية وبعض وجهات نظري..

والعبارة صحيحة ولكنها ليست دقيقة. فليس صحيحا انك وحدك تعيش في جلدك.. تحته. وإنما هناك ألوف ملايين الكائنات الصغيرة تعيش فوق الجلد وتحته.. والجلد هو اكبر أعضاء الجسم الإنساني وأكثرها تجددا. فعلى الجسم الإنساني يعيش ألف مليون من البكتريا.. وهذه البكتريا أشكال وألوان وأحجام وعائلات.. وهناك بكتريا فوق الجلد وبكتريا حول الفتحات والمخارج.. وفي الأمعاء تساعد على تجديد الدم وتساعد على الصحة وعلى المرض.. والجزئيات التي تسقط من الجسم الإنساني لا أول لها ولا آخر.. بل إن ألوف الملايين من البكتريا وغيرها من الكائنات المجهرية هي جزء من تلوث الهواء ـ الهواء يلوثه ستة آلاف مليون إنسان.. ولكننا لا نشعر بذلك!

كنت في زيارة أحد أقاربي في هويستون ودعاني للفرجة على الأجهزة الطبية الحديثة.. وطلب مني أن أضع إصبعي تحت الميكروسكوب الإلكتروني وان انظر إلى الشاشة على الحائط.. أما الذي رأيته فلا اعرف كيف أصفه لك.. ولكن لنفرض انك اخترت اكبر ميدان في بلدك.. والميدان فيه كل السكان والسيارات والعربات والطائرات والصواريخ والدبابات كلها في وقت واحد وكلها تتحرك في كل الاتجاهات وتتضارب وبعضها يتلاشى.. ولو فرضنا أن لكل منها صوتا صارخا. كل ذلك يتحرك ويصرخ في لحظة واحدة وفي مساحة لا تزيد على متر مربع هذه المساحة الصغيرة جزء من أحد أصابعك.. اما هذه الحشود فهي البكتريا!

ثم اقترح صديقي أن يجرح إصبعي وان يضعه تحت الميكروسكوب الإلكتروني.. اما الذي رأيته فلا عين رأت ولا أذن سمعت.. ما هذا الذي في الدم.. ما هذه الجيوش ما هذه المعارك أين الحياة والموت في هذا الذي رأيت.. إن الذي يجري حول بقعة دم، لا شبيه له في كل المعارك الحربية في كل العصور.. سبحان الله!