أواه للحلم الضائع

TT

اهتزت الاوساط البريطانية قبل أيام باشتراك النائب جورج غلوي بالمسلسل التلفزيوني التافه «الأخ الكبير» كانت مفاجأة وخيبة كبيرة لهذا الرجل الذي احرز نجاحات سياسية شخصية كبيرة. أخيرا اتضح ايضاً انه طلق زوجته الفلسطينية وأغفل شؤون منطقته الانتخابية ومصالح سكانها وقلما حضر الى مكتبه فيها أو مقعده في البرلمان، ثم توج هذا السلوك باشتراكه في هذا البرنامج. ما الذي حداه لهذا السلوك؟

جورج غلوي اشتراكي يساري صرح قبل آونة ان يوم سقوط النظام السوفياتي كان اسود يوم في حياته. صب اهتمامه بعد ذلك على محاربة أميركا واتخذ من صدام حسين سلاحا له. ولكنه تلقى يوما اسود آخر بسقوط نظامه. جورج غلوي رجل رأى كل احلامه ومبادئه تنهار امامه.

وهذا هو النمط الذي اصبحنا نواجهه كل يوم في الماركسي والاشتراكي والقومي ممن فقدوا آمالهم هذه وراحوا يخدمون اسرائيل والاستعمار والاجنبي والنظم الرجعية والفاشية.

هذه هي المحنة التي تواجه العالم العربي. انها سر تفاقم الفساد والخيانات والهجرة واللامسؤولية. كانت هناك آمال ارجوانية خلابة راودت اجفاننا في الخمسينات والستينات، امل اسقاط اسرائيل بالجولة الثانية، امل اقامة الوحدة العربية والمساواة والمجتمع الاشتراكي، امل النهوض واللحاق بالدول الغربية، امل الوصول الى انظمة ديمقراطية كفؤة ونظيفة. ولكن كل هذه الآمال انهارت وتبددت الاحلام.

ينطبق هذا الكلام بصورة خاصة على عراق السنوات الاخيرة لقد عقدت آمال كبيرة على العراق بالنظر لتاريخه ولرواته وكوادره المتعلمة والمؤهلة وتميز عناصره البشرية. طالما سمعتها من الاجانب، ان العراق سيقود الامة العربية وينشر التنور والعصرنة في عموم المنطقة. نظر اليساريون العرب الى بغداد كمنبع الوحي والثورة الاشتراكية والفكر الماركسي والحداثة. والغربيون اتخذوا من بغداد مركزاً لحلف بغداد.

ولكن كل هذه الآمال قد تبددت وانحدر العراق من سيئ إلى اسوأ، يوما بعد يوم لا يوجد الآن بين المؤمنين حقاً بوحدة العراق واستقلاله وعروبته وعلمانيته ونهوضه شخص واحد يرى اي بصيص من النور في مستقبل البلاد. ويسود مثل هذا الشعور في قلوب معظم الاكثرية العراقية.

وهذا هو سر الفساد المستشري الآن في كل مكان. القاعدة السائدة الآن: «اغرف وحط بالسلة» ثم ابعث بالسلة عبر الحدود. تعدد القيادات وتوالي الشخصيات في الحكم منذ سقوط صدام ساهم في هذا الشعور بالزوال. الكثير ممن تولوا المسؤولية جاءوا من الخارج ومعهم باسبورتاتهم الاجنبية وبيوتهم وعوائلهم في الخارج ويعولون على اوطانهم هناك اكثر مما يعولون على بلدهم المضطرب التائه في بحر الظلمات.

اغرف وحط بالسلة وابعث بالسلة هناك. العراق وطن زائل والبقاء للوطن الاجنبي وحده.

انهيار الامل يورث الفساد، والفساد يزيد من انهيار الأمل. وهذه هي الدائرة المفرغة. من لنا بساحر يكسر بعصاه السحرية هذه الدائرة المفرغة ويحول الدائرة الى مربع من الصفوف المرصوصة؟