فضائيات كربونية!

TT

حينما ظهر البرنامج التلفزيوني «من سيربح المليون» الذي استفاد منه المذيع جورج قرداحي شهرة كاسحة نقلته بعد ربع قرن من مقدم إذاعي لا يعرفه إلا القلة إلى أشهر مذيع تلفزيوني عربي، ليجد الرجل الخلوق الأنيق نفسه بين حلقة وأخرى أشهر من نجوم السينما، تلاحقه نظرات المعجبين أينما حل وحيثما رحل، ولربما كان في حاجة ـ في تلك الأيام ـ إلى «بودي جارد» لحمايته من جنون الصبايا وغيرة الرجال، حتى أن صحافية لبنانية هي منى نائلي الرفاعي قد اختصرت وضع قرداحي آنذاك قائلة: «ربع ساعة تلفزيونية ناجحة تعادل ربع قرن من العمل الإعلامي».

يومها كتبت أنني أخشى على قرداحي وبرنامجه من حمى التقليد، ولم يلبث الحال طويلا حتى سالت الملايين من جل المحطات العربية قبل أن يبتل ريق قرداحي، أو ينعم بشهرته طويلا.. وقد حصل نفس الشيء قبل ذلك مع عماد الدين أديب صاحب البرنامج الحواري «على الهواء» الذي ما أن نجحت فكرته وحققت قدرا من الانتشار حتى «تشعلقت» القنوات كلها في الهواء!

ولقد تفتقت عبقرية تلفزيون المستقبل عن استيراد فكرة جماهيرية تمثلت في برنامج «سوبر ستار» الذي استمد فكرته عن برنامج «بوب ايدول» البريطاني، وإن كان «سوبر ستار» العربي قد تفوق على نظيره الإنجليزي نتيجة استغلال البرنامج العربي لحمى القطرية. فسارع تلفزيون «إل. بي. سي» إلى استيراد فكرة برنامج «ستار أكاديمي» ليحتدم السباق بين داحس والغبراء.

وقد كنت مساء الجمعة الماضي أتناول طعامي في أحد المطاعم المطلة على البحر، وكانت شاشة المطعم الكبيرة تعرض الحفلة الأسبوعية لبرنامج «ستار أكاديمي» وسط حماسة رواد المطعم، وكان على طلاب الأكاديمية أن يصوتوا بين متسابق خليجي ومتسابقة لبنانية للبقاء في الأكاديمية، وقد أدهشني ان تكون منطلقات التصويت للطلاب قطرية جهوية ولا علاقة لها بالمواهب الفنية، فإذا اعتبرنا أن لهذا البرنامج مظهرا ديموقراطيا، فإن مظاهر التعصب القطري قد أفسدت هذا المناخ.. فإن كانت كل تلك الانفعالات والتشنجات من أجل ترشيح طالب أو طالبة في أكاديمية فنية، فما بالكم لو كان هذا الأمر يتعلق بترشيحات أهم وأعظم تتعلق بقضايانا المصيرية العربية، فالحقيقة أننا لا نزال قبائل شتى، وأن الحلم القومي لا يزال مجرد حلم لا علاقة له بالواقع.

ويقال إن هذا البرنامج قد سحب البساط من البرامج المماثلة، وأقول إن هذا البرنامج لن يصمد أكثر، وسنرى عما قريب جل المحطات من بعد «ستار أكاديمي» وقد تحولت إلى شقق مفروشة تعرض سكانها علينا 24 ساعة، وهم يبرمون الشوارب أو يعقدون الضفاير.. وحسبنا وحسبكم الله.

[email protected]