الضحية والجلاد

TT

قبل يومين ادلى رئيس منظمة العفو الدولية القادم من منطقة الشرق الأوسط تعليقا على التطورات الحادثة في الاراضي المحتلة الفلسطينية بقوله: ان هناك حالة شلل لدى القيادات، مشيرا بذلك الى انها غير قادرة على رؤية مخرج من دوامة العنف الدائرة حاليا، او رؤية حل سياسي للأزمة التي تكبر يوميا مثل كرة الثلج.

واذا كانت وجهة نظر المنظمة الدولية لها ما يبررها على ارض الواقع، فان هناك خطأ تقع فيه بعض المنظمات الدولية في المساواة بين الضحية والجلاد، فالفلسطينيون في النهاية ضحية، واي اعمال ترتكب حتى لو كانت خطأ تندرج تحت اطار تصنيف شعب محتل يحاول انهاء الاحتلال، بينما اسرائيل هي في النهاية دولة، وليس من حق الدول ان تتصرف بسياسات عقاب جماعي او تنفيذ اعمال قتل واغتيالات علنية بدون اي محاكمة.

لا احد يقر عمليات الاغتيالات او التصفيات التي يقوم بها نشطاء فلسطينيون ضد من يصفونهم بالعملاء بدون اي محاكمة، لأن هذا يفتح الباب في النهاية لتصفيات شخصية بدعاوى سياسية ، لكن قد يجد المرء عذرا لهذه الممارسات في الاراضي الفلسطينية في ظل عدم وجود دولة حامية للقانون، وفي ظل الوضع الاستثنائي الحالي نتيجة الضربات والحصار.

وفي حالة اسرائيل من الصعب ان يجد المرء اي عذر لسياسة الاغتيال التي تنفذ بشكل علني، وباستخدام طائرات وصواريخ ضد شخصيات معينة بدون اي محاكمة، وتحت دعاوى انهم نشطاء في منظمات نفذت عمليات او تفجيرات، واسرائيل هي الاستثناء الوحيد، لأنه ما من دولة في العالم لجأت الى هذا الاسلوب المكشوف والعلني لعمليات التصفية.

كما ان المتتبع للاحداث من السهل ان يكتشف من الذي يقوم بالتصعيد، فالسلطة الفلسطينية أبدت اكثر من مرة في الاسابيع الاخيرة رغبتها في ايجاد مخرج سياسي، او الوصول الى صيغة تهدئة للاحداث، وكلما صدرت هذه الاشارات حدث تصعيد عسكري سواء بقصف الشرطة الفلسطينية، او حتى قوة الحراسة الخاصة بالرئيس الفلسطيني.

ويبدو المأزق داخل القيادة الاسرائيلية، او الشلل في التفكير ورؤية المستقبل، واضحا، لأن الشرطة الفلسطينية او قوة حراسة عرفات هي القوات المفترض ان تتعاون مع نظيرتها الاسرائيلية في تطبيق اتفاقات اوسلو اذا عاد المفاوضون مرة اخرى الى الطاولة، ولا بد ان يعودوا عند لحظة معينة. وقصف مراكز الشرطة الفلسطينية، ومحاولة تدمير البنية الاساسية الخدماتية والاقتصادية للسلطة يعنيان اغلاق الباب تماما امام اي فرص مستقبلية للتفاوض على مخرج سياسي.

ايضا فان سياسة الحصار الاقتصادي والتجويع التي تمارسها اسرائيل ضد الفلسطينيين عبر منعهم من الوصول الى اعمالهم، وقطع امدادات الوقود او حجب اموال السلطة المجموعة من الضرائب، والمفترض ان تدفع لها حسب الاتفاقات، لن تجعل الشعب الفلسطيني يثور على عرفات، وانما ستكثر من عدد الانتحاريين الذين يرغبون في تنفيذ تفجيرات.

اي منصف لا يمكن الا ان يحمل اسرائيل مسؤولية المأساة التي نشهدها اليوم في عملية السلام، فقد اشاعت هذه العملية في بدايتها الكثير من الامال ورفعت سقف التوقعات، فجاءت المماطلات والتنصل من الاتفاقات الموقعة لتراكم الاحباط حتى وصل الناس الى حالة يأس فحدث الانفجار.