الذين ينتقدون مبارك هل عندهم البديل؟

TT

نلمس الغمز واللمز واحيانا النقد المباشر لمحاولات الرئيس المصري حسني مبارك ايقاف نزيف المواجهة القائمة على الأرض المحتلة. ومعظم الذين يطلقون هذه الاشارات المتبرمة، ان لم يكن كلهم، من الذين يعيشون هانئين مع اطفالهم بعيدا عن ما يحدث. هذا اللوم فيه قسوة شديدة على الفلسطينيين انفسهم الذين يدخلون شهرهم السابع من عمر الانتفاضة. وهو تحرك سياسي تم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، الراغبة ليس في مزيد من الشهداء بل في مزيد من الفرص التفاوضية لاستكمال انتصارها وهي تقترب من اقامة دولة مستقلة بأرضها ومواطنيها. اما الذين يريدون ان يستمر الفلسطينيون في مواجهة مكشوفة وغير عادلة، وبدون مشروع سياسي مدعوم عربيا ودوليا، فانهم ببساطة متناهية يأخذونهم باتجاه طريق مسدود ثم يتركونهم هناك. هؤلاء قد لا يدركون انه اذا استمرت المواجهات هكذا، بلا مشروع ولا مفاوضات ولا سند خارجي، تصبح معرضة لأن تنسى مع تزايد اعداد الشهداء ونقص الامكانيات الفلسطينية وضعف السند السياسي الخارجي الضاغط على اسرائيل. الانتفاضة هي وسيلة للضغط على المحتل ليتراجع وليست غاية في حد ذاتها. الهدف منها ليس المزيد من اليتامى والارامل، والمزيد من الشهداء والمقعدين، والمزيد من تدمير الامكانيات الفلسطينية، بل الهدف تسخيرها سيفاً مسلطاً نجح، بالتعاون مع مفاوضي السلطة في السنة الماضية، في اجبار الاسرائيليين على تقديم تنازلات لم يقبلوا قط تقديم مثلها في كل تاريخ احتلال الاراضي الفلسطينية. لهذا نتفهم ما صدر عن الرئيس المصري بعد زيارته لواشنطن في اول مقابلة عربية مع الادارة الاميركية، خاصة بعد ان صدمت هذه الحكومة الجديدة الكثيرين من العرب الذين ظنوا ببساطة انها حكومتهم. انتفاضة بلا طاولة مفاوضات هي معادلة هدفها محاصرة الانتفاضة من اجل اخمادها، هذا ما يريده ارييل شارون لاثبات بطولته كرئيس وزراء جديد متميز يفاخر بأنه اخمد واخرج منظمة التحرير من بيروت من قبل. فمن له مصلحة في ترك الانتفاضة تواجه وحيدة، بالفعل وحيدة، هذه الآلة العسكرية التي تستخدم اسلحة لم تستخدم مثلها من قبل في الاراضي المحتلة؟ شارون لا يمانع في بضعة قتلى اسرائيليين اضافيين طالما ان ظهره محمي من الجانب الدولي بلا ضغوط تجبره على تقديم شيء، وهو يواجه عزلاً من السلاح مطمئناً لعدم وجود من يضغط عليه دوليا. هذا ما يجعل ما قاله وما فعله الرئيس المصري في صالح العمل الفلسطيني محاولا فتح جبهة دبلوماسية ضد الاسرائيليين ومحاولاً جر الاطراف الكبيرة لاستكمال المفاوضات النهائية. اما الذين يقولون عكس ذلك فما الذي قدموه وهم يحتسون الشاي متفرجين على نشرات الاخبار كما لو كانوا يتفرجون على مباريات كرة قدم امام شاشات التلفزيون؟ العواطف وحدها لا تكفي وهناك من يخسر اطفاله، وهناك اطفال سيعيشون ستين سنة قادمة معاقين بفعل اصاباتهم، وهناك بنية يجري هدمها واقتصاد يتم تخريبه، وملاحقات مستمرة لزعامات الفصائل الفلسطينية لاقتناصهم واحدا بعد الاخر!