نيسان.. بيروت

TT

جاءت حكومة الرئيس رفيق الحريري قبل اربعة اشهر من اجل امرين: ان يرضي عددها معظم الجماعات السياسية القائمة، وان يؤدي حجم رئيسها وكفاءاته وعلاقاته العربية والدولية الى حل عاجل لمسألة شديدة الالحاح، هي الوضع الاقتصادي الذي لم يعرف لبنان مثيلاً له منذ الاستقلال. حكومة من 30 شخصاً بدل حكومة من 14 او 16 في اقصى الاحوال، والعاملون الحقيقيون فيها سبعة او ثمانية.

كانت لي، كمواطن عادي، على حكومات رفيق الحريري الماضية، ملاحظات كثيرة، معظمها يتعلق بالاسلوب، الذي هو في رأيي كل شيء. وفي الحكومة الحالية كان لي اكثر من اعجاب بالرئيس الحريري، ومواقف رجل الدولة الحقيقي، اضافة الى طاقة مذهلة على العمل وطاقة هائلة على التحمل. وبسبب ذلك انزاح عنا الشعور بالانقباض. وجلسنا نتأمل، لا في حدوث معجزة بل في وقوع انفراج اولي، يعيد الى النفوس شيئاً من الارتياح وشيئاً من الاطمئنان وشيئاً من الامل.

وفي اسبوعين او ثلاثة كان رفيق الحريري يزور نصف العالم ويدعو النصف الآخر الى بيروت، ويعلن قرارات عاجلة كان الارجح قد درسها خلال وجوده خارج الحكم. واعاد الى السلطة التنفيذية ثقافة «الفريق». وطرح على السادة النواب مشروع حكومته وعلى الناس حلمه بهم واحلامهم به. وجلسنا ننتظر فالوضع لا يطاق. وشبان الجامعات يهاجرون بعشرات الآلاف. وسفارات كندا واميركا واستراليا لم يعد لديها ورق كاف لتقديم الطلبات. وسفارة السويد فرت الى دمشق. وسفارة المانيا نتوسلها الا تعيد الينا نحو 30 الف «لاجئ سياسي» جاء مستشارها شرويدر ووزير خارجيته ووزير خارجيتها الاسبق، يتوسلوننا ان نستعيدهم.

كان رفيق الحريري، بحجمه السياسي والاقتصادي والعربي والدولي، هو امل الانفراج، وليس السادة الوزراء الذين فرضتهم عليه «التركيبة» اللبنانية، واكثرهم بلا عمل وحتى بلا مكاتب. ولكن ما ان دخل الحريري الى السراي حتى خرج لبنان الى الشارع. الذي في فمه ماء والذي في فمه نار والذي في فمه حصى والذي في فمه سموم وفتن. ونسي الناس ان المصيبة الاقتصادية تجمعهم وقبلوا فوراً ان تفرقهم الحصى وان ترعيهم الفتن. ووسط كل هذا الصراخ المجنون اقتربت ذكرى 13 ابريل (نيسان) المريعة من دون ان يصدر صوت واحد فيه رنة الحكمة وصدى التجارب. فالاصوات الهادئة لا مكان لها في غابات الزعيق والقلوب الكبيرة يستبد بها الخوف من القلوب الصغيرة. والحكومة تصدر القرارات وكأنها تصدرها لشعب آخر وبلد آخر. فهي الضحية الاولى في هذا الجو الرديء. وشباب لبنان الضحية الدائمة. فكل افق مسدود. وكل باب مغلق. وفي كل قلب صادق اسى.