وصفات لطبيخ أسماء جديدة

TT

أشرت يوم امس لهوسنا بالأكل، هوساً أوحى لنا بتسمية أنفسنا وعوائلنا بأسماء الأكل والمأكولات كالكبة والدولمة والرز والعدس والعسل والقهوة، قهوجي ودولمجي ونحو ذلك. الواقع ان الأسماء تتطور ككل شيء في حياة البشر، حتى ولو كانوا من العرب. اكبر دليل على قدرة العرب على التطور، تطور اسمائهم. ففي الجاهلية وصدر الاسلام كانوا يسمون أولادهم بسيف ومهند وفراس وأسد وليث وضيغم وحرب وصخر. كلها اسماء شجاعة وفروسية وقتال. كانوا أمة متحفزة للفتح والغزو والضرب. ولكن بعد ان أسسوا ملكهم وآثروا عيش الراحة والترف، اصبحت المعدة شغلهم الشاغل. همهم لذائذ الطعام والشراب. هكذا اخذنا نسمي اولادنا بأسماء الأكلات. تصوروا لو ان أبا سفيان سمى ابنه كبة او كعكة، بدلاً من معاوية! تصوروا ما الذي كان سيحدث، او لو ان احداً ذهب الى أبي فراس الحمداني وقال له يا أبا المشمش، او يا أبا بطيخ. تصوروا الدماء التي كانت ستراق عندئذ.

مؤلف الاغاني المصري الشهير احمد ملوخية عاش كل حياته معروفاً بهذا الاسم من دون أي استياء منه. تصوروا لو ان احداً سمى امرء القيس «امرء الملوخية» او المتنبي «ابو الطيب ملوخية».

لكل جيل حقه في اختيار اسمائه المفضلة من وحي نمط حياته. اخترنا دولمجي وشوربجي وكببجي، لحبنا للدولمة والشوربة والكباب. ولكن اولادنا الآن لا يهوون هذه الأكلات. انهم مغرمون اليوم بأكل الهمبرغر والسوسج والفرانكفورتر، واللحم الروست والبيف، يحبون من الحلويات الآيس كريم والكاستر والجيلي ونحو ذلك. لا يشربون اللبن او العصير او شربت الزبيب وانما يفضلون الكوكا والسفن آب والسينالكو. يضع ذلك على عاتقنا مهمة تطوير اسماء اولادنا بحيث نختار لهم أسماء تنسجم مع ميولهم وأذواقهم.

لو انني رزقت الآن ببنت جميلة وظريفة لما سميتها بأي اسم آخر غير «همبرغراية». واذا تلتها ابنة ثانية (لا قدر الله) فأسميها آيس كريم. لا يراها ويسمع بها اولاد المحلة حتى يهيمون حباً بها. يئنون ويتحسرون «اواه من آيس كريم يا عيني!» ثم يظهر شاعر مثل نزار قباني فيقول فيها متغزلاً:

كريم ويا آيس كريم شموخ صدرها عندي عظيم تترعرع ويقع لها نصيبها فتقرأ في مثل هذه الجريدة خبر قرانها بهذه الكلمات البليغة: «عقد هذا اليوم قران الآنسة الفاضلة الدكتورة آيس كريم كريمة الأستاذ همبرغر ابن روست بيف على الشاب الأديب سوسج ابن كسترد الجيلي. وقد قام بمراسيم الزواج والعقد فضيلة الشيخ كوكا كولا ابن الشيخ نستلة الشكولاتي. وقد حضر الحفل جمع غفير من الأدباء والعلماء».

لا شك ان كثيراً من القراء الأفاضل سيتفهمون هذا الاستقراء الحكيم لمستقبل مجتمعنا العربي في جيله الصاعد ويفتشون حولهم ما يليق من الأسماء المعاصرة. سأوفر عليهم هذا المجهود بقائمة من الأسماء المناسبة في عدد الغد، خدمة للعرب والمسلمين.