ظواهر مصرية.. تحتاج لمراجعة ومواجهة

TT

تمر مصر خلال الفترة الأخيرة بظروف تثير الاهتمام والحوار على نطاق واسع.. وهي في مجملها تنبع من الموقف السياسي لمصر الذي تلتزم فيه بدورها القومي.. فمنذ بدأت الانتفاضة في 28 سبتمبر (ايلول) عام 2000 والغضب يجتاح الجماهير التي عبرت عن نفسها بمظاهرات قام بها الطلبة، وقد تجاوبت القيادة السياسية مع ذلك فقررت سحب السفير المصري من تل أبيب ..والدعوة إلى مؤتمر القمة العربي الذي عقد في أكتوبر (تشرين الأول) بالقاهرة وأثمر قرارات قد لا تصل إلى طموح بعض الفئات. ولكنها تعتبر ايجابية في كل الحالات.

وموقف مصر يختلف عن موقف بقية الدول العربية لأنها تشعر بمسؤولية خاصة في تعاملها مع اسرائيل التي تربطها بها معاهدة 1979 التي وقعها أنور السادات بعد اتفاقيات كامب دافيد.. التي أدت إلى وقف القتال وتحرير سيناء المحتلة.. ولكنها رغم مرور 22 عاماً لم تحقق السلام الذي ظل جامداً وبارداً وبعيداً عن اقبال الشعب المصري الذي أخذ موقفاً واضحاً ضد التطبيع وضد قيام صلات مع اسرائيل غير التي تفرضها الالتزامات الدولية.

وظهر موقف الشعب المصري واضحاً في أكثر من مناسبة .. كان آخرها عندما أسقط في انتخابات مجلس الشعب بعض رجال الأعمال الذين تعاملوا مع اسرائيل ومنهم أمين الحزب الوطني الديموقراطي في الاسكندرية.. وعندما فتحت الصحافة ملف رجال الأعمال الذين رشحوا أنفسهم لمجلس الشعب وهم يحملون جنسية مزدوجة خشية تأثير الولاء المزدوج أو تسرب مصالح أجنبية، والذين قضت المحاكم بعدم صحة عضويتهم، الأمر الذي تقاعست الحكومة عمداً عن تنفيذه.. وأصبح الآن بين يدي مجلس الشعب للبحث في قانونية حق حامل الجنسية المزدوجة في التصدي للأعمال السياسية والتشريعية، خاصة أن من بينهم وزير الاقتصاد ووزير الإسكان وغيرهما! ومن الأحداث التي أثارت الاهتمام في مصر، هذه اللجنة التي أوفدها الكونجرس الأمريكي لبحث الحريات الدينية في عدد من دول المنطقة. وهو أمر رفضه البعض من ناحية المبدأ رفضاً قاطعاً باعتباره تدخلاً في الشؤون الداخلية وتأكيداً لمحاولة الهيمنة الأميركية على العالم.. وقبله البعض لأنه وجد فيه فرصة للتعريف بحقيقة سماحة الشعب المصري ووحدته. وكان من هؤلاء البابا شنودة بطريرك الأقباط الذي التقى بهم موضحاً لهم حقيقة النسيج الذي يربط الشعب المصري على امتداد التاريخ بعيداً عن الحروب الأهلية والفتن الطائفية.. وأظهر لهم الصورة الصحيحة لموقف أقباط مصر سواء في الداخل أو الخارج.

وجاءت زيارة لجنة الحريات الدينية قبل أيام من زيارة الرئيس محمد حسني مبارك إلى الولايات المتحدة، وهي الزيارة التي اعتاد بعض المتطرفين من الأقباط والمسلمين المهاجرين للولايات المتحدة أن يلجأوا قبلها للإثارة ضدها، مدفوعين بعوامل مشبوهة بعيدة عن الوطنية والروح المصرية. وكانت زيارة مبارك هذه المرة ذات طابع خاص، فهي الزيارة الأولى في عهد الرئيس الاميركي جورج بوش وتمت بعد أيام من مؤتمر القمة العربية الذي اتخذ فيه العرب موقفاً صريحاً لدعم الانتفاضة مادياً وسياسياً. ولذا اهتمت بها الصحافة العالمية لتي أجرت أكثر من حديث مع مبارك أوضح فيها الموقف المصري الملتزم بقرارات القمة العربية. وأعلن في هذه الأحاديث عن تأييده لموقف الفلسطينيين ورفضه مبدأ التدخل لمحاولة الضغط عليهم لأن سلطتهم الوطنية هي صاحبة القرار النهائي أمام الشعب، مؤكداً أن عودة السفير لن تتم إلا بعودة الهدوء والجلوس الى مائدة المفاوضات وذلك رداً على مطالبة أميركية بذلك. وطالب الادارة الأميركية بمراجعة سياستها تجاه العراق،.. وتعرض للموقف الداخلي فأعلن بحسم أن ابنه جمال لن يصبح الرئيس القادم لمصر، قائلاً أرجو أن تنسوا ذلك مما أوقف الشائعات والهمسات التي كانت تدور أحياناً في المجتمع.

ومن الظواهر المثيرة التي كشفتها الانتخابات الأخيرة وفرضت ضرورة المراجعة الشاملة.. حالة الأحزاب المصرية . فالحزب الوطني الديموقراطي رغم استمراره حزباً للأغلبية إلا أنه فقد في الانتخابات الأخيرة عدداً كبيراً من النواب واضطر إلى ضم بعض المستقلين إليه.. أما بقية الأحزاب فهي تعيش في ظروف لا تسمح لها بالتأثير الجماهيري العريض، إما نتيجة لخلافات داخلية وإما لضعف في مستوى القيادات وإما غيبة للبرامج التي تميز حزباً عن آخر.. مما جعل أغلبها أحزاباً ورقية هامشية ليس لها تأثير في المجتمع. وقد أتاح ذلك الفرصة لنجاح عدد من مرشحي «جماعة الاخوان المسلمين» التي تباشر نشاطها وتكتب الصحف أخبارها وتحدد أسماء قادتها وتقرن ذلك بكلمة (المحظورة) ويلبس مرشحوها ثياب المستقلين، وهو أمر يحتاج في مجمله لمراجعة شاملة لاتخاذ موقف واضح من نشاط «جماعة الاخوان المسلمين». ومن قانون الأحزاب الذي صدر في السبعينات ضمن مجموعة قوانين أطلق عليها (القوانين سيئة السمعة) مما يوجب تغييرها لتناسب تطور العصر، هي والدستور الذي لم يتغير منذ صدر عام 1971. وذلك حتى تأخذ الحياة السياسية استقرارها. وتتاح للأحزاب فرصة أداء دورها المطلوب في ترسيخ دعائم الديموقراطية والتنمية البشرية. ولا يصبح بعضها مجالا لتلاعب بعض رجال الأعمال مثل رامي لكح الذي يريد أن يشتري حزباً بأمواله التي اقترضها من البنوك كما نشرت «الشرق الأوسط» بينما هو مدين بمئات الملايين من الجنيهات هو وغيره من رجال الأعمال الذين هرب عدد منهم بمليارات الجنيهات، مما جعل من قروض البنوك غير المسددة مأساة أثرت على سمعة رجال الأعمال وعلى الاقتصاد المصري، وأدت إلى ركود غير مسبوق، ونقص غير معهود في السيولة رغم تصريحات بعض الوزراء التي تبدو وردية متفائلة ولكن الحقيقة تتنافر مع ذلك تماماً فمعظم الظروف المحيطة بالمواطن تدفع إلى الاحباط والبطالة وفقدان الثقة. لذا فإن محاربة التسيب والفساد يجب أن تكون في مقدمة الاهتمامات.

هذه هي بعض الظروف التي تمر بها مصر في هذه المرحلة والتي تحتاج إلى وقفة صريحة للمراجعة ووقفة شجاعة للمواجهة.