قراصنة الطرقات

TT

أنزل القضاء السعودي قبل أيام أحكاما على المتهمين العشرة في قضية التحرش بفتاتين في نفق النهضة بالرياض، وقد تراوحت الأحكام ما بين السجن 12 عاما و600 جلدة، و6 سنوات و400 جلدة، ولواحد فقط أربعة شهور و300 جلدة، وقد اشتهرت هذه الحادثة في حينها، لأنه تم انتشارها على نطاق واسع عبر «البلوتوث»، وهذا الحكم بطبيعة الحال ليس نهائيا، إذ من حق المتهمين تقديم لائحة اعتراض خلال أيام من صدور الحكم.

ولعله من المؤسف أن تنتشر حوادث التحرش بين بعض الشباب، في مجتمع كان حتى عهد قريب، بعيدا كل البعد عن مثل هذه الممارسات الممقوتة، خاصة أن سلوكيات بعض الشباب بلغت حد الوقاحة في الكثير من الأحيان، وهذا ما يجعل البعض يميل إلى المطالبة باتخاذ عقوبات رادعة في حق المتحرشين.

وإذا كانت أشهر قضايا التحرش قد كشفت أو عرفت من خلال خاصية «البلوتوث» التي تتوفر في بعض أجهزة الهاتف المحمول، فماذا ترى سنفعل ونحن على أبواب التعامل مع الجيل الثالث من الهواتف الخلوية، والتي ستكون في متناول الكثيرين خلال شهور معدودة، وتمكن المتصلين من رؤية بعضهم البعض، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من سوء استخدام في حالات كثيرة قد تنشغل بها المحاكم لاحقا.

وقضايا التحرش وسوء الاستخدام لوسائل الاتصال الحديثة، يجعلنا في مواجهة حقيقية لمعرفة الخلل التربوي، الذي أودى بأخلاقيات بعض الشباب، وأوصلهم إلى ذلك الحد من التردي وبلادة المشاعر، خاصة أن جل التحرشات قد ارتبطت بحالات عنف واستهتار ولا مبالاة.. ولما كنا بلدا به عشرات الآلاف من المختصين في علم الاجتماع، فكم تمنيت أن أقرأ ولو دراسة واحدة جادة، تشرح لنا أسباب هذه التحولات الوحشية لدى بعض شبابنا، وكيف يمكن تهذيبها وأنسنتها، فأنا لا أتصور أن يفرض شخص ما ذاته على أنثى بالبشاعة والهمجية، التي يمكن ملاحظتها في بعض أسواقنا ومجمعاتنا التجارية.

وبعيدا عن الارتباط بما صدر من أحكام في قضية نفق النهضة، من حيث تقدير العقوبة وملاءمتها، فإن ما آمله أن تتواصل وتستمر مواقفنا الحاسمة والحازمة لتأديب قراصنة الطرقات وفرض احترام القيم، فمن شأن ذلك أن يدعم طمأنينة المرأة في مرحلة تتطلع فيها أن يكون لها دورها الفاعل والمنتج في حركة المجتمع وتطلعاته كمعلمة وطبيبة وممرضة ومهندسة وسيدة أعمال، وقبل ذلك كإنسانة لها علينا حق الاحترام والتوقير والحماية.

[email protected]