هل تتبنى حماس مبادرة الملك عبد الله؟

TT

العالم يسأل ماذا ستفعل «حماس» وقد وصلت الى الحكم؟ أما «حماس» فإنها تتجاوز هذا السؤال وتقفز على حزمة المشاكل التي جاءت مع انتصارها إن كان من المجتمع الدولي أو من اسرائيل، وتسأل هي بدورها عما إذا كان يحق للمجتمع الدولي ان يتجاهل خيار الشعب الفلسطيني الذي انتخبها. هذا يدفع الى الإدراك بأن رغبة الشعب تأتي ايضاً مع ثمن، فالفلسطينيون الذين اختاروا «حماس» لا يمكنهم الهرب من تبعات هذا الاختيار، وكما ان على المجتمع الدولي ان يعترف بصوت الفلسطينيين، فإن على الفلسطينيين ان يعترفوا بقلق العالم خارج إطار الاراضي الفلسطينية.

ضمن هذه المعادلة قد يسبب فوز «حماس» في الانتخابات الاخيرة مشاكل اضافية للفلسطينيين عكس ما راهنوا عليه. وإذا كان على العالم الخارجي، وعلى اسرائيل وحلفائها الغربيين، ان يقبلوا «حماس» كشريك مفاوض، عندها على قيادة «حماس» ان تُظهر نضوجاً سياسياً، وان تنتقل من مجموعة مقاتلة الى صاحبة دور رئيسي اساسي على الساحة السياسية.

اليستر كروك، مدير مركز «منتدى الصراعات»، يعرف «حماس» عن كثب، فهو مسؤول الاستخبارات البريطانية السابق وقد امضى سنوات، عندما كان مبعوث الحكومة البريطانية في القدس، يفاوض وقفاً لإطلاق النار بين «حماس» والاسرائيليين، وبعد انتهاء مهمته ظل يقوم بدور المحاور مع «حماس» و«حزب الله» اللبناني، وحمل معه لمثل هذه الحوارات الحساسة عددا من الاميركيين العاملين سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إي) ، مثل ميلتون بيردن الذي نظّم الدعم الاميركي للمجاهدين في افغانستان ضد السوفيات، وغراهام فوللر الذي عمل 17 عاما من اصل 25 طوال خدمته في الـ«سي.آي.إي» في منطقة الشرق الاوسط. وقد ترأس الوفدين الاسلاميين، في ابرز لقاءين حاسمين عقدتهما مجموعة كروك مع «حماس» و«حزب الله» موسى ابو مرزوق عن الاولى ونواف الموسوي عن الثاني.

على كل، في اتصال مع كروك اثر فوز «حماس» الاخير، اكد انه لم يفاجأ بنسبة الفوز الكاسح، فـ«حماس» كانت توقعت امامه انها ستنال ما بين 70 و80 مقعداً، وهي ـ كما يراها كروك ـ منظمة سياسية وليست عسكرية كما يصورها الغرب، فقد انشأت جناحها العسكري عام 1988 إثر المجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتين في مسجد الخليل، عندها غيّرت «حماس» من موقفها وبدأت العمليات الانتحارية، «كان ذلك تغييراً في التوجه وليس تغيير التوجه».

يقول كروك إن «حماس» تريد ان تُدخل اصلاحات على الحكم وتجعله فعالاً، وتحسّن من اوضاع الشعب الفلسطيني بالقضاء على الفساد، وسيكون دور البرلمان في زمنها توفير المحاسبة والشفافية في مؤسسات الدولة الفلسطينية، ثم ان «حماس» تريد دولة مستقلة. ويؤكد كروك ان «حماس» في الوقت المناسب ستقدم اقتراحاتها المتعلقة بالدولة الفلسطينية، ويستبعد ان يحصل هذا واسرائيل تخوض حملة انتخابية، «عندها سيتم إستغلال الاقتراحات من جانب الاحزاب الاسرائيلية المتنافسة»، ويقول لي كروك «أنا لا اتوقع قراءة هذه الاقتراحات قبل انتهاء الانتخابات الاسرائيلية في نهايه شهر آذار (مارس) المقبل، لأن حماس لم تخض الانتخابات كي تكون عامل هدم لأي خطوة تؤدي الى الدولة الفلسطينية».

وهل ان اسرائيل مستعدة للتعايش مع «حماس»، مع العلم انه يعود الفضل في انشاء «حماس» الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين الذي اراد، بسبب الانتفاضة الاولى، القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات؟

يقول اليستر كروك: «إن ما قدمته حماس بفوزها لاسرائيل شيء لم يكن متوفراً في السابق ، فهي حركة منظّمة جداً، وملتحمة وتتمتع بشرعية بعد الانتخابات لا مثيل لها، وإذا كان في استطاعة احد اتخاذ قرارات حاسمة وتطبيقها فليس هناك غير حماس»، ولكن هل ان «حماس» جدية في التوجه السياسي؟ يجيب كروك: «بكل تأكيد، لم يكن الفوز مفاجئاً لقادة حماس، لقد استعدوا له بحرص، وهم يريدون تقديم نتائج للفلسطينيين، لكن هذا لا يعتمد عليهم وحدهم، بل على الولايات المتحدة واسرائيل والمجموعة الاوروبية، فبيدهم إما عرقلة حياة حماس وتعقيدها، او جعلها سهلة».

وماذا إذا رفضت الولايات المتحدة واوروبا التفاوض مع «حماس» إلا اذا اعترفت باسرائيل ونبذت العنف، فهل سنرى انهياراً للسلطة الفلسطينية ؟ يوجه كروك كلامه الى اوروبا بالذات ويقول إن عليها ان تفكر بعمق «نحن طالبنا بانتخابات، والرباعية أصرت على إجرائها في موعدها الجديد بعدما كان محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية اجّلها من موعدها الاساسي في حزيران (يونيو) 2005، جرت الانتخابات وفازت حماس، لم تكن الانتخابات عادلة ونزيهة فقط، بل متعددة الاحزاب شارك الكل فيها باستثناء الجهاد الاسلامي (يتوقع كثيرون ان تكون حركة الجهاد وسيلة الضغط بيد ايران اذا ما حاولت «حماس» اعتماد قرارات وطنية فلسطينية بعد تشكيلها الحكومة)، فإذا كانت ردة الفعل عدائية، وشكّلت عقاباً للشعب الفلسطيني لأنه خاض انتخابات حرّة، فإن هذه الرسالة سيصل صداها الى ابعد من حدود فلسطين، اي الى بقية المنطقة وحتى الى باكستان (اشارة كروك الى باكستان لأن مجموعته حاورت الجماعة الاسلامية في باكستان كما حاورت الفرع اللبناني للاخوان المسلمين)، ويمكن ان تؤثر على علاقاتنا مع العالم الاسلامي لسنوات كثيرة مقبلة».

بعد فوز «حماس» اشار البعض الى انه كان من الخطأ السماح لها بخوض الانتخابات النيابية قبل أن تتخلى عن العنف، ويرد كروك بأن الفلسطينيين في عملية التفاوض يملكون اوراقاً قليلة، «ومقابل ما إذا كان على حماس التخلي عن العنف ؟ لا شيء، وكانت ستفاجأ بطلب ثانِ وثالث. ان كل فلسطيني يعرف ان حماس لا تستطيع تدمير اسرائيل، فماذا كان سيغير تخليها عن العنف قبل المشاركة في الانتخابات. لقد اعترفت فتح باسرائيل واستمرت كتائب الاقصى في الانتفاضة، فما الفارق إذن»؟

وكان مسؤول في «حزب الله» قال يوم السبت الماضي ان فوز «حماس» هو امتداد للمقاومة الاسلامية في لبنان، فهل يُفهم من هذا ان «حماس» صارت المثل لكثير من حركات اسلامية تتطلع الى الحكم؟ يقول كروك إنه ليس لدى «حزب الله» الرغبة في حكم لبنان، فالوضع فيه مختلف عن الوضع في فلسطين، انه متعدد الفئات والطوائف، انه ليس فلسطين، لكنه يستطرد بأن فوز «حماس» سيعطي تشجيعاً قوياً للاخوان المسلمين في مصر وفي سوريا، «وهذا قد يغّير توجه الاسلام السياسي».

وماذا سيكون وضع المرأة والمسيحيين الفلسطينيين في ظل «حماس» التي ترفع شعار «الاسلام هو الحل»، اي شعار الاخوان المسلمين؟ يستغرب كروك هذا التساؤل :« إذ ضمّت لوائح حماس مسيحيين، وفي الانتخابات البلدية في بيت لحم اشتركت حماس ونسقّت مع المسيحيين، ثم انها افضل من فتح في تعاطيها معهم»، واستشهد بقول خالد مشعل زعيم «حماس»، يوم السبت الماضي على قناة «الجزيرة»، إنه يرحب بالمشاركة المسيحية، «كما قال ان حماس لن تفرض الشريعة على احد وهذا يشمل المرأة». أما القول ان الاسلام هو الحل، فيرى كروك انه ضروري لمكافحة الفساد ، فـ«حماس» لا تعتقد ان القوانين تبعد الناس عن الفساد، لأنهم يلتفون على القوانين.

ويرفض كروك التعليق على علاقات «حماس» بايران وسوريا، يقول «لا أعرف طبيعة العلاقة، لكن اذا قررت اميركا واوروبا الاستمرار في تقديم المساعدات فالأمر سيختلف، إن الامور بيد الغرب، فإذا رفض المساعدة عليه ألا يفاجأ بآخرين عرضوا الاحلال مكانه، ولا اعتقد ان هذا هدف حماس». كروك متفائل بأن «حماس» قادرة على حل مشاكل الفلسطينيين لانها جدية وستطّبق كل ما وعدت به، «لكن هل ستنجح، احياناً تتدخل عناصر اخرى غير متوقعة فتعرقل كل شيء».

من جهة اخرى تقول مصادر فلسطينية مقرّبة من «حماس» إن الحركة لا تريد السيطرة الكاملة على السلطة الفلسطينية في الوقت الحالي، ويفكر قياديّوها بتشكيل حكومة من التكنوقراط لا ينتمي كافة اعضائها الى الحركة، كما انهم يريدون ان يبقى محمود عباس على رأس السلطة، فبقاؤه يصب في مصلحتهم، يضمن استمرار تدفق الاموال، ولأن لا نفوذ لديه للسيطرة على الاطراف المقاتلة، فإن قدرة «حماس» في السيطرة على العمليات والتوصل الى وقف لاطلاق النار مع اسرائيل سيتعززان، ورغم ان «حماس» غير مستعدة للاعتراف بشرعية اسرائيل، الا انها ابتعدت عن فكرة تدمير اسرائيل، وتضيف المصادر ان هناك خططاً لدى «حماس» لتعديل ميثاقها لتضمينه لغة سياسية معتدلة، وهي عادت تسّرب اقتراح الهدنة الطويلة.

لقد وصلت «حماس» الى السلطة، وهي اول حركة اسلامية سنيّة تصل الى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية، وهذا انجاز جذري بحد ذاته، ويمكن لـ«حماس» تحقيق خطوة مميزة اخرى اذا ما اعلنت تبنيها لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي أقرتها قمة بيروت العربية.