أبناء فتح.. كفى حزنا ولننهض من جديد

TT

من غير المنطقي، ان لا نحزن وان لا نذرف الدموع، على ما فقدناه في انتخابات المجلس التشريعي، فهذا شعور انساني، لا ينم عن ضعف او وهن، وإنما يعبر عن شعور عميق تجاه ما نحب ومن نحب، حين يتعرض لانتكاسة ما. وفتح، التي ارتبطت بنا جميعا بوشائج عاطفية هي مزيج من الحب والاعتزاز والأمل، تستحق منا ان نحزن من اجلها.. وان نغسل الحزن بدموع الرجال .غير ان للحزن ساعة وللدموع ذات الساعة.وما تبقى من الزمن، يجب ان يكون للنهوض واليقظة والحركة الدائبة نحو تعويض الفشل بنجاح اكبر، ونحو اعادة بناء الجدار الذي انهدم من حول البيت، وحمدا لله ان الذي انهدم هو مجرد جدار وليس كل المبنى..

لقد خاضت فتح، معركة التشريعي بهمة وقوة وشجاعة قاعدتها البشرية الهائلة.. هنالك من استدان من اجل ان ينقل ناخبا الى الصندوق، وهنالك من رهن بعض ما يملك، من اجل رفع اسم فتح وشعارها على يافطة او ملصق او حائط، وهنالك من اختصر وجباته في الحملة الى وجبة واحدة في اليوم، وهو يرى آخرين وهم ينعمون بالإنفاق الباذخ طعاما وشرابا وسيارات وما الى ذلك.كان ما يحرك ابناء فتح الاصطلاء، هو شعورهم بالمسؤولية وحرصهم على ان لا يذرفوا دموع الحزن في اليوم التالي، أي يوم اعلان النتائج. كان حرصا عميقا بعمق جذور فتح في تربتنا وافئدتنا ووعينا.. وقد رأيناه حصادا وفيرا في صناديق الاقتراع، لو تم تنظيمه بطريقة أكثر دقة واتقانا لما حدث ما حدث.

والآن.. اتوجه الى كادر فتح، في كل المواقع والساحات بنصائح أخ عركته التجربة الطويلة. وصقلت وعيه الصعوبات والتحديات.. وامضى عمره في فتح منذ منتصف الستينيات حتى يومنا هذا.

* النصيحة الاولى: ان نترك وراء ظهرنا، آلام ما حدث في البرايمرز.. وما تلاه في التشريعي، وان نتوقف عن جلد الذات، والتفتيش عن أكباش فداء ننحرها كي نستريح للحظة، ونندم بقية العمر.إنني لا انكر اهمية دراسة ما حدث واستخلاص العبر منه، ولكن على قاعدة علمية وموضوعية بعيدا عن الانفعال والارتجال وردود الافعال الساخطة والملتهبة.

* النصيحة الثانية: لنغلق آذاننا ـ نهائيا ـ عن سماع كلمات التحريض ضد أي فتحاوي، فهذا التحريض لا بد ان يجد من يستغله لتعميق الجراح في فتح، وجعل اتحادها امرا مستحيلا. ذلك ان فتح، وفي هذه الكبوة غير المتوقعة، بحاجة الى وئام داخلي، وهدوء نفسي ومسلكي، حتى نوفر المناخ الملائم لاتخاذ القرارات السديدة، التي تعالج خلل الماضي وتسد الثغرات من اجل المستقبل.

* النصيحة الثالثة: ان لا نكفر بالأطر والمؤسسات، حتى لو كان اداؤها ضعيفا او سلبيا على مدى عقود.. ذلك ان بديل هذه المؤسسات هو الفراغ.. والضياع في متاهة البدائل النظرية غير الجاهزة واقعيا وعمليا. ان الشعار الممكن الآن، هو لنصلح حال مؤسساتنا ونملأها بالحياة، ونفعل دورها ونطور بناءها، وليكن مؤتمرنا القادم هو المكان الملائم والشرعي لتجديدها ورفع مستوى كفاءتها.وهنا، لنفكر مليا، في امر الانتخابات القاعدية التي يجب ان تبدأ او ان تتواصل بأسرع وقت ممكن، حتى تفرز القيادات المنتخبة التي تعطي للحركة ولمؤتمرها المحتوى الديمقراطي والإصلاحي الحقيقي.

* اما النصيحة الرابعة: وهي ليست الأخيرة على أي حال، ولكنها الآخرة في هذا المقال.. فهي ذات بعد فكري وسياسي.لنقرأ بإمعان ما يدور حولنا في العالم الذي نعيش فيه، ونحدد موقعنا وموقفنا مما يدور حولنا، فليست الشعارات الصاخبة هي تحليلنا السياسي، وليست الهتافات المتكررة منذ عقود هي تراثنا الفكري، بل ان الحقائق هي ما يجب التعاطي معه، وكل الحقائق الفعالة في فلسطين هي من صنع فتح ونضالاتها المشهودة ودم شهدائها وجرحاها، ومعاناة اسراها وآلام كل فرد في المجتمع الفلسطيني قدم على طريق الفتح أعلى التضحيات.فيا أبناء فتح، يا أبناء ياسر عرفات، سيد شهداء الأمة، لنتخذ من زعيمنا الخالد افضل خصاله، وهي الارتفاع فوق الجراح، واعتناق مبدأ الضربة التي لا تميتنا تقوينا.. بهذه الروح تجاوزنا كل المحن وما كان يبدو في حينه انهيارات قاتلة وبهذه الروح كذلك، سنحول ما حدث في واحدة من معاركنا الكبرى، الى ولادة جديدة لفتح، التي صدق من وصفها بطائر الفينيق الذي ينهض من قلب الرماد، فما بالنا وتربة فتح ليست رمادا، وشجرة فتح الوارقة لا تزال في اوج عطائها. رغم قلة المطر في بعض المواسم وكثرة من يحاولون سرقة ثمارها وكسر اغصانها، بعد ان استحال عليهم، خلعها من الجذور. فيا ايها الفتحاويون انهضوا واتحدوا، يا أيها الفتحاويون، اغلقوا ملف الحزن المشروع، واوقفوا ذرف الدموع، واهتفوا بصوتكم الجماعي القوي، لتعش فتح لتعش الديمقراطية الفلسطينية، ولتعش فلسطين الثورة والدولة، فكل ما نهتف له هو وعد للأمة قدمته فتح منذ ولادتها، وستظل وفية له حتى النصر بإذن الله.

* وزير الإعلام الفلسطيني السابق