ليست المرة الأولى .. فما العمل ..؟

TT

سخرية المذيع الأمريكي بيل هاندل من مصرع مئات الحجاج المسلمين خلال موسم الحج المنصرم ليست الأولى من نوعها.

ففي الثالث عشر من يناير وزع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) ـ وهو أكبر المنظمات المسلمة الأمريكية المعنية بالدفاع عن صورة الإسلام في وسائل الإعلام الأمريكية ـ ضمن رسائله الإخبارية الإلكترونية مقتطفات من تعليقات نشرت على موقع يعرف باسم جهاد واتش (مراقبة الجهاد) جاء في أحدها ما يلي: «لدي فكرة عظيمة، لماذا لا يحتفل المسلمون بالحج كل عام، بهذا الأسلوب يمكننا أن نرسل المزيد منهم لمقابلة ربهم (الله)». ومن لا يعرف موقع «جهاد واتش» فيكفي الإشارة إلى ما كتبه هايج فيتزجيرالد نائب رئيس إدارة الموقع على الموقع ذاته في احدى المرات. إذ كتب يقول: «العديد من المؤمنين بمعتقدات مختلفة غريبة أو جديدة على الغرب تمكنوا من أن يندمجوا بنجاح، وأن يصبحوا جيرانا طيبين ومواطنين صالحين مخلصين... جماعة واحدة فقط ، نظام معتقدات واحد فقط ، يميز نفسه بظهوره عاجزا عن إيجاد مكان لنفسه (بالغرب)، وهؤلاء هم المسلمون والإسلام، لو عرف أحدنا حقا ما يحتوي عليه الإسلام... كيف يمكن بعد ذلك لأي إنسان سوي أن يبقى مسلما؟».

أما بيل هاندل، وهو مذيع بإحدى أشهر إذاعات جنوب كاليفورنيا وتدعى KFI، فقد قدم برنامجا ساخرا في الثاني عشر من يناير، سخر فيه من مصرع الحجاج المسلمين خلال رمي الجمرات بموسم الحج الماضي.

حيث لم يكتف هاندل بالسخرية من الموت وفقدان أرواح مئات الأبرياء وهم يتعبدون ـ وهي حادثة هائلة مهيبة لا يمكن أن يتعامل معها أصحاب النفوس السليمة إلا بكل احترام وحذر ـ بغض النظر عن خلفية من لقوا مصرعهم ـ بل إنه تطاول على الإسلام ووصفه بأنه «دين غريب»، كما حاول الإيحاء لمستمعيه بفكرة أن المسلمين معادون للسامية.

لذا حث مجلس كير ـ في بيان أصدره ـ المسلمين و«أصحاب الضمائر» على الاتصال بالإذاعة المذكورة ومطالبتها بالاعتذار على تصريحات هاندل المسيئة وغير المسؤولة ومحاسبته.

حيث أشار المجلس إلى أن المذيع نفسه سبق أن اتهم المسلمين ـ في شهر مارس 2004 ـ بممارسة الجنس مع حيواناتهم وبتجنب الاستحمام وبالانشغال المرضي بقتل اليهود (يبدو أن هاندل نفسه مشغول بشكل مرضي بفكرة أن المسلمين يعادون اليهود).

المؤسف هنا أن تصريحات هاندل ليست الأولى من نوعها، ففي السادس عشر من يناير نشرت صحيفة واشنطن تايمز مقالا لكاتبة تدعى سوزان فيلدس والتي وصفت تكاثر المسلمين وزيادة معدل إنجابهم بأنه نوع من «الشغب الجماهيري» ضد الغرب.

الإهانات السابقة وغيرها من الإساءات التي يتعرض لها الإسلام وأهم رموزه ببعض وسائل الإعلام الأمريكي والأوربية تدفعنا إلى أن نسأل أنفسنا سؤالين هامين، وهما: ما هي أسباب تلك الإساءات؟ وكيف نتعامل معها؟

بالنسبة لأسباب تلك الحملات المغرضة فهي عديدة ومختلفة، وإن كان يمكن تلخيصها في أربعة عوامل رئيسية، العامل الأول هو الجهل، فمختلف الاستطلاعات التي أجريت حول رؤية الأمريكيين للإسلام تدل على أن غالبية الشعب الأمريكي (الثلثين تقريبا) ليس لديها معرفة كافية بالإسلام، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة في يد الدعاية المعادية.

السبب الثاني هو التحيز التاريخي المدفون بالثقافة الغربية تجاه الآخر الأجنبي بصفة عامة والعربي والمسلم بصفة خاصة، ومن أبرز من فضحوا هذا التحيز البروفيسور العربي الأمريكي الراحل إدوارد سعيد، وذلك من خلال كتاباته عن الاستشراق، حيث رأى سعيد أن تعامل مفكري الغربي مع الآخر الشرقي ـ بما في ذلك المسلمون والعرب ـ انصب في خدمة مؤسسات الاستعمار والامبريالية الغربية بشكل يساعد هذه المؤسسات على فهم الآخر الشرقي وإخضاعه.

وعلى الرغم من انتهاء العصر الاستعماري، إلا أن النظرة الاستشراقية ما زالت قائمة وتحكم العديد من السياسات والمواقف الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي، وذلك كما يشير كتاب «الاستشراق الأمريكي: أمريكا والشرق الأوسط منذ عام 1945» الصادر في عام 2002 للأكاديمي الأمريكي دوجلاس ليتل.

يأتي بعد ذلك دور بعض النخب الأمريكية ذات الأجندات المعادية للمسلمين والعرب بشكل خاص وعلى رأسها بعض قيادات اليمين الأمريكي المتدين والجماعات المتطرفة في مساندتها لإسرائيل.

وهنا تجب الإشارة إلى دور تلك الجماعات في تشويه صورة المسلمين والعرب بأمريكا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث كشفت تقارير صحفية أمريكية مختلفة الدور الذي قامت به منظمات مساندة لإسرائيل ـ من وراء الستار ـ لتزويد وسائل الإعلام الأمريكية بمعلومات مغلوطة وسلبية عن الإسلام والمسلمين في أمريكا.

أما قادة اليمين الديني المتطرف ـ من أمثال بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل، فلم يدخروا وسعا لإعلان عدائهم للإسلام، بل إنهم هاجموا الرئيس الأمريكي بوش لوصفه للإسلام بأنه دين سلام، كما أكد دايفيد فروم كاتب خطابات بوش السابق في أحد كتبه.

العوامل السابقة على الرغم من محوريتها لا تعفي المسلمين والعرب أنفسهم من مسؤوليتهم عما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين في أمريكا والغرب من تشويه.

فهناك جماعات أقلية تسيء للإسلام بارتكابها أفعال شنيعة، كخطف وقتل الأبرياء، باسم الإسلام.

أما الأغلبية المسلمة المتسامحة فما زال صوتها الوسطي غير مسموع لدى المواطن الغربي والأمريكي، وهو ما يدفعنا إلى محاولة الإجابة على السؤال المحوري الثاني بهذا المقال، وهو ما العمل؟

وهنا تجب الإشارة إلى أن المسلمين في أمريكا وخارجها لم يقفوا مكتوفي الأيدي خلال السنوات الأخيرة أمام الحملات المسيئة لدينهم.

فهناك مبادرات إيجابية وناجحة عديدة اتخذتها هيئات وشخصيات قيادية مسلمة من شتى أنحاء العالم للدفاع عن صورة الإسلام بالولايات المتحدة والغرب، وقد اتخذت هذه المبادرات صور مختلفة مثل حملات الاتصال بالهيئات الإعلامية المسيئة، وحملات تزويد الأمريكيين بالقرآن الكريم وبكتب موضوعية عن الإسلام، والتبرع لتطوير برامج دراسات إسلامية بأكبر الجامعات الأمريكية، واتخاذ مواقف دبلوماسية رافضة للإساءة للإسلام والمسلمين.

ولكن ما يدعو للتأمل في الفترة الحالية هو أن المسلمين بشتى أنحاء العالم وصلوا لمرحلة جديدة من الوعي بخطورة وانتشار ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين، كما ظهر في الاهتمام الخاص الذي منحته منظمة المؤتمر الإسلامي في قمتها الأخيرة بمكة لهذه الظاهرة، وأيضا في رد فعل العالم الإسلامي الرسمية والشعبية تجاه إساءة بعض الصحف الأوربية لشخصية الرسول الكريم (ص).

هذه التطورات تدفعنا لاقتراح من نوع مختلف، وإن كان غير جديد، للتعامل مع ظاهرة الإسلاموفوبيا، وذلك بالعمل من خلال خطط علاقات عامة ـ منظمة وعلمية وذات أهداف محددة يسهل قياسها ـ لتطوير صورة الإسلام بالغرب، على أن تبدأ هذه الخطط باستهداف مجتمعات أو فئات معينة داخل أمريكا والغرب يسهل كسب تعاطفها أو تحتاج أكثر من غيرها لفهم صورة الإسلام الصحيحة.

المهم هنا أن تتحول الجهود والمبادرات الفردية المتفرقة إلى خطط دعاية وعلاقات عامة منظمة للدفاع عن صورة ديننا الحنيف، فالتحدي الذي نواجهه يحتاج لاستجابة عملية ومدروسة.

* مدير الشؤون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)

www.alaabayoumi.com