في سقف الحريات

TT

منذ يومين تلقيت اتصالا هاتفيا من التلفزيون الدنماركي يطلب لقائي في نشرة أخبارهم الرئيسية لمناقشة موضوع المقاطعة للمنتجات الدنماركية. وطبعا كان الحديث من الطرف الدنماركي يتركز في أن القانون يكفل لوسائل الاعلام الحرية في التعبير عن الرأي والكلمة.

وهذه طبعا كلمة «مبهرة»، وحين الاستماع اليها لا يملك الواحد سوى أن يبحلق بعينيه مذهولا ويفتح فمه مندهشا، وخصوصا اذا كان المتلقي من دول لا تسمح بأن يفتح فم مواطنيها إلا عند أطباء الاسنان!. ولكن واقع الأمر غير ذلك فحتى حرية الكلمة لها سقف وعادة ما يكون هذا السقف أخلاقيا في المقام الأول. وفي الغرب يدور هذا التجاذب المستمر ما بين فكر الحرية Freedom والتحرر Liberty وطبعا لا يوجد أحد يمانع في مفهوم الحرية، فهو حق منح للانسان في التدبر والرزق والزواج واختيار الدين.

ولكن يبقى سقف أخلاقي لا يتخطاه أحد ولا يؤذي الاخر وهو «المطب» الذي وقعت فيه الصحيفة الدنماركية بامتياز، فاعتقدت أن «ديمقراطيتها» تمنحها «حق» إهانة 1.3 مليار مسلم برسم كاريكاتوري باسم حرية التعبير مع إغفال صوت هذه المجموعة الساحقة من سكان العالم! وحتى في الغرب سرعان ما يكتشف أن هناك سقوفا أخلاقية غير أخرى وأن كل المقاييس والمعايير الاخلاقية ليست سواسية. فمعاداة السامية غير مسموح بها، فالكاريكاتير الدنماركي لم يكن لينشر لو كان المرسوم هو حاخام يهودي مثلا، وللاستدلال على ذلك أذكر واقعتين تخصان العمل الروائي المشهور للكاتب الانجليزي الأهم وليام شكسبير «تاجر البندقية». في هذا العمل شخصية التاجر اليهودي الجشع والمرابي شيلوك والذي يصوره شكسبير في الرواية بشكل نمطي وله أنف كبير معقوف وعيون جاحظة ويرتدي البزة السوداء وله سالفان ملتويان. وفي محاولة حديثة لانتاج مسرحية وفيلم سينمائي لهذا الرواية أصر الممثلان هوفمان وآل بتشينو (بطلا المسرحية والفيلم بالتوالي) على إحداث تغيير في شكل البطل و«تخفيف» يهوديته (حسب ما عبرا) حتى لا تكون الرواية ذات طابع معاد للسامية.

لقد نجحت اليهودية في تجريم أي ذكر نقدي لليهود باعتباره معاداة للسامية، يعرض من يقوم به لعقوبات شديدة. والمطلوب اليوم من المؤسسات الاسلامية الجادة القيام بجهود كبيرة وجادة في المحافل الدولية تجرم المساس بالدين الاسلامي ونبيه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم وآل بيته وصحابته وتحدد له العقوبات الصارمة، لأنه بدون ذلك ستتكرر المحاولات ممن يعتقد بحرية رأيه بجهالة دون رادع شمولي كاف من لدن العالم الاسلامي.

سقف الحريات أخلاقي في المقام الأول، وعليه فان التعرض للأديان ورسلها ليس فقط خطا أحمر ولكنه جرم يمس العالم بأسره.