محك الديمقراطية.. بين الإسلام والغرب

TT

«ليس لدي أي فكرة عما سيأتي لاحقا، لكنني متأكد من أن ذلك سيؤول إلى وضع مريح».

ذلك ما قاله آرثر بلفور، حول إصداره إعلان 1917، الذي وعد فيه بوطن قومي في فلسطين لليهود.

والى ذلك فقد خلق الرئيس بوش وعدا مثيلا لوعد بلفور وظل معه طيلة فترته الرئاسية واقفا على رمال متحركة تتمثل بسياسات ودين الشرق الأوسط. وزاد من صعوبة رهانه على أن الديمقراطية ستغير الشرق الأوسط وتحقق استقراره، بروز رئيس ديماغوجي إيراني، ودور رجال الدين الشيعة في العراق، وفوز «حماس» بالانتخابات التشريعية الأخيرة.

كم سيكون الوضع أكثر طرافة من وقوف هيلاري كلينتون إلى يمين بوش ومطالبتها بالمواجهة الاقتصادية مع إيران، أو تنامي تأييد الوسط لوجهة نظر جون ماكين المطالبة بقصف إيران؟، أو مشاركة كوفي عنان لوزراء الخارجية الأوروبيين بمطالبتهم «حماس»، هذا الأسبوع، الاعتراف بإسرائيل أو الوقوع في مطب الجوع؟.

لكن هذه المناورات التكتيكية للدبلوماسية والهجمات العسكرية تبدو وكأنها مثيرة للارتباك بغياب استراتيجية أوسع لتحقيق المصالحة ما بين الديمقراطية، كما هي معروفة في الغرب، مع الإسلام، مثلما هو يمارس في الجزء الأكبر من الشرق الأوسط. على بوش ألا يتخلى عن الدفع باتجاه تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط بسبب استفادة الراديكاليين مؤقتا منها، لكنه بحاجة إلى مراجعة ما يتطلب المراجعة.

ويمكن القول إن المخاوف من الإسلام السياسي ليست جديدة بعد أن تنامت في الغرب وبشكل مضطرد منذ ثورة عام 1979 في إيران، لكن الإسلام السياسي قد تم التعامل معه بشكل عام من قِبل صنّاع السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا باعتباره ظاهرة متطرفة. وهذا صحيح، خاصة منذ ارتكاب متطرفي «القاعدة» فظائع 11 سبتمبر 2001 باسم الدين. وتحت نظرية بوش يجب محاربة الإسلام السياسي بهدوء، بلدا بعد بلد من خلال برامج محاربة الإرهاب وفرض العزلة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية.

لكن الاسلام السياسي هو في الوقت الحالي في الاتجاه الرئيسي للمنطقة، انه يجد ان الديمقراطية قوة ملائمة أكثر منها قوة متناقضة. فالدعوة لتدمير اسرائيل، كما تفعل «حماس» والإيرانيون، برنامج شائع يسوق الى الجماهير تحت راية اسلامية.

وعندما جرى تحذير الرئيس الايراني نجاد من جانب دبلوماسيين اصدقاء في سبتمبر الماضي، من أن هذا الخطاب المتشدد بالأمم المتحدة سيكلفه خسارة دولية، قال «إنني أحصل على انباء سارة من الوطن» حول رد الفعل على الخطاب.

أو لنأخذ فوز «حماس» الانتخابي على «فتح» والمنظمات الأخرى في منظمة التحرير الفلسطينية الأسبوع الماضي. انه آخر مسمار في نعش القومية العربية، القوة التي كان لها ان تعزز تاريخيا الثورات ما بعد الكولونيالية، واشتراكية جمال عبد الناصر العربية، و«اليقظة» الفكرية العربية في القرن الماضي.

وسواء كانت قوة وهمية أم قوة مستنفدة، فإن القومية العربية تذكار شأن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها في عصر العولمة. وقد جرى تأكيد صفة كونها مهجورة عبر انتصار الأحزاب الدينية الشيعية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق.

ومن الممكن التوصل الى تسوية بشأن الديمقراطية والإسلام والتعايش السلمي مع اسرائيل واقامة انظمة حكم جيدة. فتركيا والمغرب مثال على الدول التي حققت تقدما كبيرا على هذه الصعد، لكن النظام العربي ما بعد الكولونيالي للاستبداد العسكري او المتوارث، يتجه نحو الانهيار في كل حدث، وجاءت هنا المساعي الأميركية للمساعدة على دعم الانتفاضات ولا تزال ملائمة.

يقول جورج شولتز وزير الخارجية السابق، إن «الانتخابات الديمقراطية تمرين في المساءلة. وليس من المدهش ان الناخبين يطيحون بالأوغاد عندما تحين لهم الفرصة». ومن المعروف ان شولتز صادق عام 1988 على أول حوار رسمي بين أميركا ومنظمة التحرير الفلسطينية، وجعل المنظمة التي كانت تخوض حرب عصابات تلتزم بوعودها. وأضاف «لن اقول أوتوماتيكيا انك لن تتحدث الى شخص في هذا الوضع، فالمهم هو ما تقوله: قل له ما تسعى إليه وما تأمل ان يحدث، لكن من المؤكد أنه لن يتعين عليك تمويله».

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)