مولانا السناتور

TT

لقي السعوديون استقبالا حافلا في العاصمة الباكستانية. وفي مقر رئيس الوزراء قال لي الجنرال احسان الحق رئيس الاستخبارات الباكستانية «جميع حكام الأقاليم حضروا إلى إسلام أباد لاستقبال الملك السعودي، وقامت طائرتان «إف 15» باستقبال الملك عند دخول طائرته أجواء باكستان، كما أن المدارس عطلت يومين احتفاء بخادم الحرمين. وهذا كله يتم لأول مرة في تاريخ باكستان».

شخصيا كانت زيارة بكين والهند وهونغ كونغ وماليزيا غنية، لكن زيارة باكستان كانت مشوقة بجملة متناقضات لمستها. ففي قصر رئيس الوزراء شوكت عزيز قدر لي لقاء مجموعة من حكام الأقاليم وبعض من الوزراء ومستشاري الرئيس الباكستاني، وقيادات من الجماعات الاسلامية.

قدمني السيد مشاهد حسين، وزير الإعلام الباكستاني السابق، لشخص وصفه مازحا بـ«أصولي صديق»، وهو مولانا سميع الحق، زعيم إحدى الجماعات الأصولية الكبرى. سألته: هل فعلا أنت أصولي صديق، على طريقة نيران صديقة؟ ضحك وقال أميركا هي الأصولية والمتطرفة وليس نحن، وشن هجوما عليها، وعن عدائها للإسلام، وللرجل مؤلفات في ذلك. في نهاية الحديث أعطاني بطاقة التعريف الخاصة به والتي يعرف نفسها فيها كالتالي: مولانا سميع الحق، سناتور. ضحكت في نفسي فما أبعد مولانا عن السناتور!

وقتها التقيت اكرم خان دوراني، كبير الوزراء في الإقليم الشمالي الغربي وعاصمته بيشاور، وكان أكثر إثارة، فهو يتبنى طرح قانون الحسبة. دافع عن فكرته قائلا انها تحقق مطالب ابناء الإقليم، وان القانون لن يكون متشددا، وضرب مثالا للتدليل على ذلك قائلا إن القانون يشمل تحريم الموسيقى بالأماكن العامة، ولا ادري ما اذا كان السلام الوطني الباكستاني يندرج تحت هذا البند.

وقال إنهم لن يغطوا وجوه النساء بالكامل، لكن سيفرضون النقاب الذي يغطي نصف وجه المرأة فقط! وبعد نقاش، شرع يشرح لي مفاهيم الديمقراطية، وعندما قلت له ان لا فرق بين ما يقوله وما يقوله الأميركيون، ضحك وقال وهو يشير الى مولانا سميع الحق «أنا اكثر اعتدالا ووسطية منه»!

على طاولة الغداء التقيت الوجه الآخر لباكستان، ومن ضمن التقيتهم احد مستشاري الرئيس، وكذلك وزير الزراعة الباكستاني، ومسؤولون آخرون من بينهم سيدة، وكان الحديث مختلفا، إلا عندما يأتي ذكر أميركا، فالكل يهاجمها. سمعت حديثا عن باكستان الحلم. أحدهم أسهب في الحديث عن الاستثمار الأجنبي، والتعليم، ومحاربة التطرف. أحد المسؤولين الباكستانيين فوجئ عندما حدثته عن تجربة الحوار الوطني في السعودية، بل وطلب مني تزويده بمعلومات كاملة عن الحوار الوطني على أمل أن يستفاد من الفكرة في باكستان، حسب تعبيره.

سألت أحد المسؤولين عن سبب معاداة الغرب على الرغم من كل الجهود لجلب الغرب من أجل الاستثمار؟ ضحك وقال: «على المستوى الفردي، الباكستاني ليبرالي، لكن على المستوى الجماعي هو محافظ ويكره أميركا»!

في إسلام أباد، رأيت وسمعت جملة من المتناقضات الداخلية والخارجية، سياسيا واقتصاديا، وقبل هذا وذاك دينيا. الجمع بين مولانا وسناتور يلخص ما يدور في باكستان اليوم.

[email protected]