قالوا لي: ما فات مات!

TT

كنا مع الرئيس حسني مبارك في زيارة إحدى الدول الأفريقية، وفجأة انتشر الهمس والتلميحات، والحركات السريعة والتواصي بالكتمان، ماذا جرى؟ قالوا: إن إرهابيين من إحدى الدول العربية في طريقهم إلينا، لماذا؟ لا وقت للسؤال وللإجابة، المهم أن نجمع حاجاتنا وأن نهبط في الظلام، السلالم مظلمة والأسانسير، وبدلاً من أن نتجه إلى الباب الخارجي للفندق يجب أن نتجه إلى السيارات إلى المطار. السيارات مظلمة، ونحن أيضاً قطع من الليل، سحب سوداء تزحف على الأرض، ولا كلمة، ولا داعي للكلام الآن، وفي الطائرة فسوف يكون لدينا متسع من الوقت.

وانتقلنا من ظلام إلى ظلام، طائرة الرئيس، أما حاجاتنا فتنقلها عادة طائرة حربية، وهي تسبقنا لكي يضعوا الحقائب في غرفنا.

وبدلا من أن تتجه الطائرة في مواجهة الريح، كما هي القاعدة، اتجهت بعيداً جداً ثم دارت محركاتها واتخذت طريقها عكسياً، وكانت الطائرة مظلمة أيضاً، وجلسنا في صمت.

لقد خفنا أن تضيء كلماتنا، فأطبقنا شفاهنا حتى لا يكون الكلام أو الخوف كاشفاً فاضحاً. فقط عندما استقرت الطائرة فوق وانفتحت الأضواء رأينا بعضنا البعض وعلى الوجوه استفهام ودهشة، وانتظرنا ما سوف يقال لنا عما حدث أو ماذا كان من الضروري أن يحدث ولماذا، ومن أين جاءت هذه المعلومات؟

وتوقفت الطائرة في مطار الخرطوم، واتجهنا إلى المطعم وكان الإفطار هو الطعام الذي أعدوه للغداء: لحوم وأسماك ومايونيز، وإن كان بعضنا يقول إنهم في السودان يأكلون اللحم صباحاً، فالذي يهم ماذا حدث أو ما الذي سيحدث، قيل لنا المعلومات جاءتنا من الخرطوم وأن المتظاهرين أو الإرهابيين قد جاءوا من ليبيا، ولكن لماذا؟

ولما وصلت في تسجيل مذكراتي عند هذه النقطة توقفت وسألت بالأمس، فقيل لي: ياه أنت لسه فاكر؟ قلت: نعم، فقيل لي: يا شيخ اللي فات مات!

لا فات ولا مات ولا بد أن أعرف.

فقيل: ربنا يعطيك العمر كمان عشرين سنة.