فرصة العمر أمام «حماس»

TT

التحدي الذي تواجهه حركة «حماس»، اثر فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، أكبر بكثير من حجم انتصارها، ومن المنصب الذي تستحقه اليوم، تشكيل الحكومة الفلسطينية. فإذا نجحت، سيكون لنجاحها أبعاد تفوق حدود المصلحة الحزبية وتفوق حتى حدود المصلحة الفلسطينية. وإذا فشلت، ستسبب ضربة أخرى لشعبها وضربة أكبر للفكر السياسي، الذي تمثله وللتيار الايديولوجي العقائدى الذي تنتمي اليه.

لقد فازت «حماس»، لعدة أسباب. أولها يعود الى فشل حركة «فتح»، في تقديم انجازات حقيقية ملموسة نحو الخلاص من الاحتلال والانتقال الى مسيرة الانفراج. فالشعب الفلسطيني، تعب من الحرب ويريد أن يرتقي طريق السلام والأمن الشخصي والجماعي والبناء والازدهار. وتعب من الإدارة غير السليمة، التي تسمى بلغة القانون والأخلاق فسادا. ملّ أولئك الذين يمارسون فوضى السلاح ويمزقون بعضهم بعضا على مصالح شخصية ضيقة.

بالمقابل، طرحت «حماس» عدة بدائل أمام الفلسطيني. بالامكان القول إن «حماس» تؤمن بأن السبيل للخلاص هو مقاومة الاحتلال، وإن اسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة. ومثل لبنان ما زال ماثلا. وهناك من ينسب الانسحاب الاسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة، أيضا الى المقاومة. ويلاحظ أن عددا من الاخوة في «حماس»، يتكلمون الآن بلغة الثورة المظفرة، التي بات نصرها على اسرائيل قاب قوسين أو أدنى، استنادا الى ذلك المنطق حول المقاومة. وفي الواقع ان من السهل جدا اعتماد هذا الخطاب، بل ان خطاب الثورة هو الأسهل. لكن الوصول الى موقع المسؤولية، في قيادة الشعب الفلسطيني، يحتاج الى منطق آخر. فالثورة للثوار تصلح، لكنها لا تناسب الحكومات. في الحكومة أنت مسؤول عن كل شيء يتعلق بحياة الناس. وفي حالة الوضع الفلسطيني، أنت مسؤول عن اطعام ملايين الفقراء (55 % من الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المخيمات يعيشون تحت خط الفقر)، وأنت مسؤول عن ايجاد العمل للعمال (40 % من العمال الفلسطينيين عاطلون عن العمل، وهذا من دون حساب الإناث). وأنت مسؤول عن توفير الأمن والأمان (وفي فلسطين يخاف الناس ليس من الاحتلال فحسب، بل أيضا من المسلحين المنتمين الى مختلف التنظيمات، وفي بعض الأحيان الى عصابات فلسطينية، يمارسون الرعب على حياة الناس بسبب ومن دون سبب). وأنت مسؤول عن جعل حياة المواطن طبيعية، علما وثقافة وفنا وحياة رغيدة. وأنت مسؤول عن إعادة الأمل بالمستقبل وعن رسم بسمة على الشفاه. هذا هو التحدي الذي يواجه «حماس»، والذي لا يمكنها التهرب منه. وإن تهربت، فإن الفشل سيكون حليفها.

ولا يمكنها أن تجابه هذا التحدي من دون أن تقرأ خريطة العالم والمنطقة. فنحن في عالم تسيطر فيه قوى عظمى لها أجندتها الخاصة التي لا يمكن تجاهلها، ولها مصالحها ومواقفها وحساباتها، التي لا يمكنك التعامي عنها والضرب بها عرض الحائط. والمطلب الاسرائيلي بان تعترف «حماس» باسرائيل وتحترم الاتفاقيات الموقعة معها، بات مطلبا دوليا، بل هو شرط عالمي للتعامل مع الحكومة الفلسطينية القادمة، لا يكفي أن ترفضه كإملاء مجحف، بنفس المقدار الذي يكون لك فيه الحق أن ترفضه. وعليك أن تجد السبيل المنطقي للتعامل معه من دون الدخول في معارك مع العالم أجمع.

وهناك مخرج مناسب تستطيع «حماس» اللجوء اليه، إذا أرادت أن تخوض التحدي بنجاح من دون أن تمس كرامتها، ألا وهو: إعلان قبول خطة السلام العربية، المبنية على مبادرة السلام السعودية التي تبناها الزعماء العرب في قمة بيروت، وأصبحت خطة السلام العربية. فهذه الخطة، التي رفضتها اسرائيل، قبلها الغرب واعتمدها الرئيس الأميركي جورج بوش كأحد أركان «خريطة الطريق». وهذه الخطة تتضمن كل ما هو مطلوب وممكن التحقيق: سلام، اعتراف، تسوية القضايا الشائكة، مثل القدس واللاجئين. فإذا قبلتها «حماس» وواصلت اسرائيل رفضها، توضع اسرائيل في قفص الاتهام وليس «حماس».

وبذلك تنجح «حماس» ليس في اظهار مسؤوليتها كحزب وليس فقط في اخلاصها لقضية ومصالح شعبها الفلسطيني، بل انها تخدم بذلك كل الحركات الاسلامية في العالم، التي تتعرض لهجمة عدائية شرسة تمس الاسلام والمسلمين في كل مكان. انه ليس تحديا فحسب، انه فرصة العمر لإظهار مدى المسؤولية الوطنية لهذه الحركة.

* صحافي عربي باسرائيل