كاريكاتير الدنمارك.. الساحة التي غاب عنها المسلمون..!

TT

لدى البدء في كتابة هذا العمود، كان الموقع الالكتروني لآلية البحث «غوغل» يتضمن ما يزيد عن 2200 مقال نُشر حتى الآن بالانجليزية فقط حول موضوع الرسوم الدنماركية المثير للجدل. أما الموضوع الاخباري الآخر الذي تناوله أكبر عدد من وسائل الاعلام في الفترة نفسها، فيتعلق بالجدال المستمر بشأن البرنامج النووي الايراني، إذ سجل الموقع ما يزيد عن 1900 مقال.

للوهلة الأولى قد لا تكون هناك أي صلة جلية بين المسألتين، اذ أن الموضوع الأول يقابل بين مفهومي حرية التعبير، الذي لا يشكل «مفهوماً غربياً» على الاطلاق ولا يُعتبر «حقاً مطلقاً»، والتعاليم الدينية في الاسلام التي تحظر رسم الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم. وما زاد الطين بلة وساهم في صب الزيت على النار هي الطريقة التي صور فيها الرسول الكريم في الرسوم التي بادرت بنشرها صحيفة دنماركية، ثم أعيد نشرها في وسائل اعلام أوروبية عدة، والتي أثارت صدمة المسلمين (وغير المسلمين أيضاً) في مختلف أنحاء العالم، مما حول هذا الجدل المتنامي من قضية خلافية إلى أزمة دولية تدق على وتر حساس لدى المسلمين.

وفي حين يعتبر عدد من السياسيين والمحللين أن بعض العناصر الراديكالية أو الأنظمة تستغل هذه القضية لأغراض سياسية، الا أن الحقيقة كانت ولا تزال أن نشر هذه الرسوم في سبتمبر الماضي للمرة الأولى، كان بحد ذاته تجديفاً، واعتُبرت اعادة نشرها بعد أشهر عديدة استفزازا ومؤامرة ضد الاسلام. واذا كان هذا الأمر صحيحاً بالفعل، فعلى المسلمين أن يفكروا ملياً بما يحصل ويتجنبوا الفخ بدلاً من الوقوع فيه، لأن ما تهدف الجهة المستفزة إلى تحقيقه هو تحديد أجندة تسلسل الأحداث وردود الفعل. ولدى مشاهدة صور النيران وهي تلتهم السفارات الأوروبية وأماكن العبادة التابعة لأديان أخرى على شاشات التلفزيون، لا يمكن استخلاص إلا إلى أن أعمال العنف هذه لا تخدم الاسلام والمسلمين، وإلى أنها لا تساعد على تحسين صورة الاسلام في الغرب التي هي أصلا مشوهة ومُساء فهمها.

ومع ذلك، فان اندلاع أعمال العنف التي شاهدناها في الأيام الأخيرة لم يأتِ من فراغ، اذ أنه يعبّر عن وضع أصعب بكثير يعيشه المسلمون، ويعكس أزمة عميقة تعصف بالعالم الاسلامي تاركة الغرب في حيرة من أمره، لا سيما وأن هناك مليار مسلم في العالم يعيش حوالى عشرين مليونا منهم في أوروبا، الأمر الذي دفع الحكومات الأوروبية الى التوقف مليا عند أعمال الشغب التي اندلعت في فرنسا العام الماضي واستمرت أياماً عدة.

لا شك أن أزمة الرسوم ستتلاشى شيئاً فشيئا، على أمل ألا يقع ضحيتها عدد كبير من الناس، على غرار ما حصل إزاء فورة العنف الانفعالية التي ظهرت فجأة نتيجة صدور كتاب سلمان رشدي «الآيات الشيطانية» والفتوى الصادرة عن آية الله الخميني التي منحت الكاتب شهرة دولية واسعة بين ليلة وضحاها.

ولكن، عندما تثير كلمات أو رسوم من هذا النوع هذا القدر من الانفعال والعنف، فلعل ذلك يشكل مؤشرا على درجة خطيرة وعميقة من الهشاشة لدى مجتمع بكامله، قد تدل للوهلة الأولى على استعداده وقدرته على الدفاع عن نفسه، ولكنها في نهاية المطاف، تكشف على أنه عرضة للاستغلال والتضليل والانجرار الى الفخاخ المنصوبة له، خصوصاً في ضوء المناخ الدولي السائد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، المتسم بالتوتر في وقت تدور معارك سياسية أوسع نطاقاً وأبلغ خطورة وأكثر أهمية.

في هذه الأثناء، وبهدوء وبعيداً عن الأنظار المنشغلة بأحداث أخرى، تُرسم الخرائط الجديدة. فقد أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بالوكالة، ايهود أولمرت، الثلاثاء الماضي أن بلاده تنوي الانفصال عن الفلسطينيين، لكن دون التفاوض معهم على تسوية، مشيراً الى أن اسرائيل ستضم وادي الأردن بكامله، مما يعني أن أي دولة فلسطينية مقبلة في الضفة الغربية ستكون محاطة بإسرائيل من كافة جوانبها، ولا اتصال جغرافيا مباشرا لها بالدول المجاورة (تماما كحال بنتوستانات نظام الأبارتايد في جنوب افريقيا). ولم يتوقف أولمرت عند هذا الحد بل أضاف أن الحكومة الاسرائيلية «ستبقي القدس موحدة». بيد أن عدد المقالات التي تناولت هذا الموضوع حسب الموقع الإلكتروني لـ«غوغل» لم يتعد 250 لدى كتابة هذا العمود.

ألم يكن من الأجدر بهذا العدد الكبير من المسلمين الغاضبين، لو وظّفوا ما أطلقوه خلال الأيام القليلة الماضية من غضب وطاقة بسبب الرسوم التي نشرتها بعض وسائل الاعلام الأوروبية، ولو كانت هذه الرسوم مسيئة وتجديفية الى أبعد حد، في مكان آخر؟ وهل يشكل هذا الغضب تحذيراً أم وسيلة لتنفيس الاحتقان والخيبات التي يعيشها المسلمون؟ وهل هو استعراض للقوة أم صورة لحالة الفوضى والتشويش التي تعم العالم الاسلامي؟ فهل سمع أحد بإطلاق حملة احتجاج ضد الجدار الفاصل الذي تمضي الحكومة الاسرائيلية في تشييده، والذي هو قاب قوسين أو أدنى من إحكام القبضة الإسرائيلية نهائيا على مدينة القدس؟