المؤامرة اللغوية

TT

مفهوم مصطلح المؤامرة اللغوية CONSPIRACY LINGUISTICفي علم اللغة الاجتماعي يعني عدم تسمية الأشياء بأسمائها. وهذه ظاهرة تنتشر في كثير من الثقافات، وبالذات الغيبية منها. وانتهاج هذه المؤامرة ينشد تناسي الأشياء وتجاوز الأحداث والابتعاد عن القبيح والمنكر وخلافه.

فالأم أو الجدة التي لم تكن تملك في الماضي دواء للبثور المحرقة عندما يصاب بها الطفل كانت تنهاه عن حكّها وعدّها كي لا تتكاثر، في محاولة منها لتوجيه انتباهه ونسيانها لأنها لا تملك علاجا لها. ويسود اعتقاد قديم بأن عدم تسمية الأشياء القبيحة بأسمائها الحقيقة يبعدها عنا، فنسمي التدخين «المخزي» إمعانا في كرهه ونأيا بأنفسنا عنه، كما نسمي مرض السرطان بـ«الخبيث» لأن ذكر اسمه الحقيقي قد يصيبنا به.

في لبنان استعرت حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاما حولت لبنان إلى هشيم تذروه الرياح، ودمرت وقتلت وأحرقت كل ما فيه دون استثناء، ثم توقفت بعد اتفاق الطائف، فبدأ لبنان يلملم أشتاته ويحاول أن يمارس الحياة من جديد، فكان أن سميت تلك الحقبة بـ«الأحداث»، في محاولة للمداواة النفسية لتجاوز آثار تلك الحقبة المدمّرة.

وكانت العرب لا تأتي على ذكر حوادث الثأر بعد إجراء الصلح بين الأطراف المتنازعة، ذلك أن تناسيها وعدم ذكرها يعد جزءا أساسا لعلاجها، وتحرّم ذكر حوادث الشرف حفظا وصونا لشرفها وتحاشيا للوقوع ضحية لها.

ونعيش هذه الأيام أجواء المؤامرة اللغوية بأوضح صورها وأشكالها. فاحتلال الكويت وتشريد أهلها وقتلهم وتعذيبهم وحرق بلادهم بعد نهبها، نسميه في أدبياتنا السياسية «الحالة العراقية ـ الكويتية»، في محاولة بائسة ومفلسة للم الصف العربي. انها معالجة «مؤامغوية» لا تسمي الأشياء بأسمائها، في محاولة لتجاوز تداعياتها. تماما مثلما تنهى الجدة أحفادها من عد الطفح الجلدي كي لا يتكاثر، أو مثلما يتوقف المتنازعون عن ذكر ثأراتهم كي لا تشتعل الحرب بينهم ثانية... وما بين المؤامرات اللغوية والمؤامرات الوهمية تاهت العقول العربية.