الحياة والسعادة

TT

يروي (تولستوي) في موسوعة حكاياته الشعبية قصة حطاب وضع رزمة حطب على ظهره، وكان عليه أن يحملها إلى مسافة بعيدة خارج الغابة، فلما أصبح في منتصف الطريق، أنهكه التعب واسودت الدنيا في عينيه، فوضع حمله على الأرض، وجلس يندب سوء حظه ويقول: ليت الموت يدركني ويخلصني من شقائي. ولدهشته ظهر الموت فجأة وقال:

ـ لبيك.. ماذا تريد مني؟

فأحس الحطاب بالفزع وقال:

ـ لا شيء على الإطلاق، فقط أردتك أن تساعدني على إعادة الحطب إلى ظهري.

(تولستوي) يقف بالحكاية عند هذا الحد، ولا يخبرنا إن كان الموت قد نفذ للحطاب طلبه الثاني، أم حاسبه على النيات. وقد ظهرت حكاية الحطاب هذا بأشكال مختلفة في تراث الشعوب، مما يؤكد سخرية الجميع من تلك الفئة التي تدعي عدم التعلق بالحياة رغم شدة حرصها عليها.

إن الشكوى من متاعب الحياة عادة طبيعية، وهي لا تعني اختيار البديل الآخر بقدر ما تنفس عن أصحاب المشاكل، وتعبر عن لحظات ضيق سرعان ما تنتهي، ويعود الكائن إلى طبيعته المحبة للحياة والمتعلقة بها إلى آخر لحظاتها.

ومن موسوعة ذلك العبقري (تولستوي) المولع بحكمة الشعوب أن ملكاً عليلاً قال ذات يوم: من شفاني أعطيته نصف مملكتي، فاجتمع الحكماء، وبحثوا عن وسيلة لشفاء الملك، ولم يدر أحد ما العمل إلى أن هب أحدهم وقال: إذا وجد رجل سعيد حقاً في هذه المملكة فيجب أن يؤخذ منه قميصه، وإذا ما لبس الملك ذلك القميص فسوف يشفى.

أرسل الملك مبعوثيه ليطوفوا في أرجاء المملكة بحثاً عن رجل سعيد، فلم يعثروا على أحد راض عن حياته كل الرضا. ولم يكن في تلك المملكة كلها أي شخص بدون مشكلة تؤرقه، وتمنعه من السعادة، وتوقفه عن الشكوى.

ذات يوم، مر ابن الملك أمام كوخ فسمع أحد الصيادين يقول:

ـ تبارك اللّه.. اليوم اشتغلت جيداً، وأشبعت جوعي، وسوف أنام بعمق، فلا شيء بعد هذا يلزمني.

أمر ابن الملك الحراس أن يدخلوا الكوخ، ويأخذوا قميص الرجل على الفور، وأن يعطى مقابله كل ما يطلب من مال، وأن يحمل القميص إلى الملك ليلبسه ويشفى. دخل الحراس كوخ الصياد السعيد، ليأخذوا قميصه، فكانت المفاجأة بانتظارهم، لقد كان الرجل فقيراً إلى درجة أنه لم يكن يملك أي قميص.

وهكذا ظل الملك مريضاً وظل الصياد يسبح بامتنان في محيط سعادته العارية.