الفيتو الأمريكي يحتم توسيع عضوية مجلس الأمن وضبط استخدام حق النقض

TT

أجرى ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية في قمة عمان الأخيرة تقويماً شاملاً للوضع العربي والعلاقات العربية ـ العربية والظروف التي تعيشها الأمة العربية، وفي ضوء التحديات التي تواجهها، والتهديدات التي تمس الأمن العربي ـ العربي، واصدروا العديد من القرارات الهامة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، من بينها «التنديد بالفيتو الأمريكي» الذي استخدمته الولايات المتحدة لمنع مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة من إصدار قرار يحث على إنشاء قوة مراقبين دوليين لحماية الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، نتيجة ممارسة إسرائيل لاعمالها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني وإهدارها للأرواح والممتلكات، واستخدامها للعديد من الأسلحة المحرمة دوليا، وانتهاكها لحقوق الإنسان العربي، ومخالفتها لاحكام اتفاقيات جنيف، وخاصة الاتفاقية الرابعة المتعلقة بمعاملة المدنيين في الأراضي المحتلة، وقد وافقت على مشروع القرار تسع دول وهي: بنجلاديش، كولومبيا، جامايكا، مالي، موريشيوس، سنغافورة، تونس، وهي من الدول غير الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، بالإضافة إلى روسيا، الصين، وامتنعت عن التصويت كل من بريطانيا، فرنسا، ايرلندا، النرويج، كما لم تشارك أوكرانيا في الاقتراع، واستخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق الاعتراض «الفيتو»، باعتبارها إحدى الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التي تملك حق الفيتو، وبالتالي لم يصدر القرار الذي شجع إسرائيل على استمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني وممتلكاته وحكومته.

والمعروف أن المجموعة العربية في الأمم المتحدة طلبت من مجلس الأمن، إزاء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني واعمالها الوحشية، مناقشة هذا العدوان وإصدار قرار بإنشاء «قوة مراقبين دوليين لحماية الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية» قبل انعقاد مؤتمر القمة العربي في عمان بالأردن، الأمر الذي أدى إلى تنديد القمة العربية بعمان بالفيتو الأمريكي الذي صدر قبل نهاية أعمال القمة العربية.

وقد أدى الإسراف في استخدام الفيتو من جانب بعض الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى إصابة منظمة الأمم المتحدة بالشلل أبان الحرب الباردة، ويؤدي استخدامه حالياً إلى تهميش دور الأمم المتحدة، وتغيبها عن الوجود في قضايا جوهرية مثل فلسطين والأراضي العربية المحتلة وكوسوفو، فليس من المعقول أن تقف دولة واحدة هي الولايات المتحدة في وجه الإجماع الدولي كما حدث منذ أيام، وحدث كثيراً منها في فترات سابقة، فتعرقل بممارساتها هذه واستخدامها حق النقض، وتقييد إرادة المجتمع الدولي التي أجمعت على عمل كما حدث في استخدامها للفيتو ضد «إنشاء قوة مراقبين دوليين لحماية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة» أثناء انعقاد القمة العربية الدورية الأولى في عمان، أو تعرقل باستخدامها لحق (الفيتو) اختياراً معيناً، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما رفضت الولايات المتحدة بمفردها، رغم موافقة جميع الدول الأعضاء الباقية بمجلس الأمن تجديد ولاية الدكتور بطرس غالي كأمين عام للأمم المتحدة، وانتهى الأمر إلى تعطيل إرادة باقي الدول التي تمثل شتى أرجاء العالم وأقاليمه المختلفة، لمجرد أن دولة واحدة لها رأي آخر مختلف، وتملك أن تفعل ما تريد لأنها تمتلك حق النقض (الفيتو) الذي يعطيها ذلك.

كما أن العالم لا يستطيع أن يتحمل الإسراف في استخدام «الفيتو» عندما يكون الأمر متعلقاً بقضايا حيوية لشعب من الشعوب كالشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للقتل والاعتقال والسجن والتعذيب، وتدمير كل منشآته، وتشريده والإضرار به، واستخدام كل الوسائل المحرمة في القانون الدولي واتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين في الأراضي المحتلة، من هنا يكون مطلوباً التحرك الدولي السريع.

ففي مثل هذه الحالات يؤدي الإسراف في استخدام «الفيتو»، وفق حسابات ضيقة أو مصالح إسرائيلية، إلى إصابة الشرعية الدولية التي تبدو مصابة بالعجز التام في هذه الحالة، مما يتطلب ضبط استخدام الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي لها حق استخدام «الفيتو»، في ضبط استخدامه من اجل تنشيط وتفعيل دور الأمم المتحدة، وحمايتها من خطر التهميش والتجاوز، وتتكامل هذه الرؤية مع الرؤية الخاصة التي أشرنا إليها في عنوان تلك الدراسة، والمتعلقة بضرورة توسيع عضوية مجلس الأمن، واعادة النظر في استخدام «حق النقض» على النحو الذي يضمن للأمم المتحدة دوراً فاعلاً في ضبط التفاعلات الدولية، الأمر الذي يتطلب أن نلقي بإيجاز الضوء على مجلس الأمن وتشكيله ونظام العضوية فيه والتصويت، رغبة في توسيع نطاق عضويته وضبط استخدام حق النقض فمجلس الأمن هو فرع الأمم المتحدة المختص بحفظ السلم والأمن الدوليين، والذي يعمل بصفة مستمرة على مدار السنة، ويملك سلطة إصدار قرارات ملزمة، ويتألف هذا المجلس من خمسة عشر عضواً من أعضاء الأمم المتحدة، خمسة منهم يتمتعون بالعضوية الدائمة، وذكروا بالاسم وهم: الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا)، بريطانيا، فرنسا، والصين، وعشرة أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويراعى في انتخابهم مساهمتهم في حفظ السلم والأمن الدوليين، ومن هنا لم يتم انتخاب إسرائيل منذ انضمامها لعضوية الأمم المتحدة عام 1949 وحتى الآن، بالإضافة إلى التوزيع الجغرافي العادل للأعضاء غير الدائمين، بحيث تتمثل في مجلس الأمن مناطق العالم الكبرى بنسب متعادلة، وقد تم انتخاب مصر عدة مرات منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، وآخرها عام 1996، حيث انتهت عضويتها في 31 ديسمبر 1997، أما أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين حالياً فهم عشر دول. خمسة لدول أسيا وأفريقيا وهي بنجلاديش، سنغافورة، مالي، تونس، وموريشيوس، مقعد واحد لدول شرق أوروبا وهي حالياً (أوكرانيا)، دولتان لدول أمريكا اللاتينية وهما: كولومبيا، وجامايكا، ودولتان لدول أوروبا الغربية والدول الأخرى وهما حالياً ايرلندا، النرويج.

بالنسبة للدول الأعضاء ذات المقاعد الدائمة في مجلس الأمن فقد ذكرت بأسمائها، وعلى ذلك فهي غير قابلة للتعديل أو التغيير إلا إذا تم تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وان عددها يتصف بالجمود مهما تغيرت قوتها، بالإضافة إلى أن التفرقة بين أعضاء دائمين في مجلس الأمن وأعضاء غير دائمين أمر يتعارض مع مبدأ المساواة بين جميع الدول الأعضاء، والذي يعتبر من ابرز مبادئ القانون الدولي المعاصر، أما الانتقادات التي وجهت للدول الأعضاء غير الدائمين في مجلس فان عددها غير قابل للزيادة، فقد كانت ست دول عند إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 في وقت كان فيه عدد الدول الأعضاء في مجلس الأمن 50 دولة.

أما اليوم فقد وصل عدد الدول الأعضاء في الأمم إلى 181 دولة، أي تضاعف عدد الدول الأعضاء اكثر من ثلاث مرات، فكان الأولى أن يصل عدد الأعضاء غير الدائمين إلى أكثر من 20 عضواً، بالإضافة إلى أن التوزيع الجغرافي العادل لا يتحقق في كثير من الأحيان.

وتتلخص وظائف مجلس الأمن في ما يلي: حفظ السلم والأمن الدولي، التسوية السلمية للمنازعات الدولية، اتخاذ التدابير المناسبة لحفظ السلام والأمن الدوليين، سواء بالتدابير المؤقتة أو التدابير غير العسكرية أو التدابير العسكرية. بالإضافة إلى اختصاصه في قبول الأعضاء الجدد، وتوصياته بشأن اختيار الأمين العام، ودعوة الجمعية العامة لدورات غير عادية.

وتصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية أو الشكلية بموافقة 9 من اعضائه الـ 15، أما في المسائل الموضوعية فتصدر بموافقة تسعة أعضاء، ومن أهم ما يميز مجلس الأمن هو استخدام «حق الاعتراض» أو «الفيتو»، الممنوح لكل دولة من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في المجلس. ولفهم نظام التصويت في مجلس الأمن يجب التفرقة بين المسائل الإجرائية والمسائل الموضوعية.

في المسائل الموضوعية كصدور توصية بقبول عضو جديد في الأمم المتحدة أو طلب إنشاء قوة مراقبين دوليين لحماية الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، تصدر قرارات مجلس الأمن بموافقة تسعة أعضاء يكون من بينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، فاذا أبدى أحد هؤلاء الأعضاء الدائمين اعتراضاً، أي استخدم حق الفيتو كما حدث من الولايات المتحدة في حالتنا هذه، امتنع المجلس عن المضي في الاقتراع ومن ثم لا يصدر القرار.

أما اذا امتنع أحد الأعضاء الدائمين عن التصويت كما حدث من بريطانيا وفرنسا في حالتنا هذه فلا يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة «فيتو»، كذلك الحال إذا امتنع أحد الأعضاء غير الدائمين عن حضور جلسة مجلس الأمن، فلم يشارك في الاقتراع لا يعتبر «فيتو».

أرجعت الكثير من الدول فشل مجلس الأمن في أداء مهمته بسبب استخدام بعض الدول لحق الفيتو، ومن ثم فقد طالب البعض بإلغاء حق الفيتو، غير أن هذا الاقتراح رُفض لأنه يتوقف على موافقة الدول التي مُنحت هذا الحق باعتباره تعديلاً لميثاق الأمم المتحدة، كما طُلب من الدول الكبرى أن تقيد نفسها في استخدام حق الاعتراض، ولكن رفضت الدول صاحبة حق الاعتراض على ذلك، وأخيراً أرادت بعض الدول أن تقيد حق الفيتو في بعض المسائل ولكنها فشلت في تحديد تلك المسائل.

وفي رأينا أن حق الاعتراض (الفيتو) وإساءة استخدامه أحياناً مرجعه الخلاف بين القوى الكبرى التي تتمتع به، وأنها تستخدمه دائماً لتحقيق مصالحها وسياساتها الخارجية، كما حدث مؤخراً من الولايات المتحدة، مما دفع بالمسؤولين الفلسطينيين وعلى رأسهم الرئيس ياسر عرفات إلى القول أن استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو لمنع صدور قرار بإرسال قوة مراقبين دوليين لحماية الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة هو بمثابة «إعطاء الضوء الأخضر» لإسرائيل باستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني، الذي يعيش تحت الاحتلال، وهو إجراء كما عبر صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين بانه لا مبرر له على الإطلاق وهو بمثابة تعطيل لعمل مجلس الأمن ولاتفاقيات جنيف ولمرجعيات عمل السلام.

ومن ثم تجب ضرورة توسعة العضوية في مجلس الأمن لكل من الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، وضرورة وضع ضوابط لمنع إساءة استعمال حق الاعتراض أو حق النقض (الفيتو)، ودون اتخاذه أساساً للاسترسال في عدم المساواة وإيقاع الظلم بالآخرين والسيطرة على المقدرات في العالم، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في هياكل الأمم المتحدة، في مجلس الأمن بالذات، بهدف تفعيله وتحريره من سيطرة دولة كبرى واحدة، وينبغي الإشارة إلى أن الدول العربية تقدمت بمطلب تسعى فيه للحصول على ثلاثة مقاعد في مجلس الأمن منها مقعد دائم ومقعدان غير دائمين، بما يتناسب مع تعداد سكانها، وبما لا يترتب عليه إخلال بقدرته على التحرك الفعال للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، كما عبر الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية.

* استاذ العلاقات الدولية بالمعهد العالي للقضاء في الرياض