انتصار عربي في جامعة كندية

TT

عندما نقول انه لا توجد هيمنة دائمة ومضمونة لأي جهة سياسية في الساحة الاميركية وما جاورها يعجز الكثيرون عن تصديق هذه المقولة. ما حدث في باحة جامعة كونكورديا دليل مهم على ذلك. فهي جامعة كندية مقرها مدينة مونتريال ظلت دائما ساحة محتكرة للجماعات المؤيدة لاسرائيل الى الاسبوع الماضي فقط عندما تمكن العرب ومؤيدوهم لأول مرة من كسب انتخابات اتحاد الطلبة في الجامعة التي تضم اكثر من ثلاثين ألف طالب.

اثار ذلك الانتصار دهشة وقلق المنظمات العاملة لصالح اسرائيل واعتبرته مؤشرا خطيرا، خاصة في الحُرم الجامعية التي عرفت دائما بانها مزرعة لتنمية مشاعر التعاطف مع الطروحات الاسرائيلية ومعاداة الجانب العربي. ولعل ما قاله رئيس قسم التاريخ في الجامعة والمتحدث باسم اكبر تنظيم يهودي في اميركا الشمالية، بناي بريث، يشرح لنا اهمية النتيجة. قال ستيفن شينبرغ انه في كل تاريخ حياته العملية في الجامعة، 39 عاما، لم ير مثل هذا المناخ المسموم الكاره لاسرائيل، ولام الحضور الطلابي العربي على هذا الانقلاب في الرأي ضد اسرائيل.

ساحة كونكورديا الجامعة هي الساحة الاميركية مصغرة يستطيع من يملك قضية ولديه المثابرة ان يكسبها بقدر اجتهاده ودأبه. اما دعاوى ديمومة الهيمنة الصهيونية على الحرم الجامعية والتنظيمات الطلابية وكذلك الساحات السياسية بعمومها هي عذر للتقاعس ونتيجة طبيعية لغياب النشاط العربي. في هذه الجامعة بمونتريال سمح للعرب ان يضيفوا سؤالا الى قائمة الاستفتاء في ما اذا كان ينبغي على الحكومة الكندية ان تقطع علاقاتها باسرائيل ام لا، وجاءت النتيجة باغلبية ايدت قطع العلاقة! وهذا لا يعني ابدا ان المجتمع الكندي يشارك الطلاب رأيهم بقطع العلاقة بل يعكس في الوقت الحاضر رأي مجتمع الجامعة فقط، وهذه بداية حسنة وتجربة تبرهن على سلامة العمل السياسي من قبل الطلاب هناك.

اتذكر عندما كنت طالبا في الولايات المتحدة، درجة الغياب ان الندوات التي يعلن عن عقدها لمحاضرين عرب او مؤيدين لهم كانت تمنع من قبل مسؤولي الجامعة بدعوى الحفاظ على الأمن ومنع الصدامات بين الطلاب، وإن كانت في الواقع تتم تلبية لضغوط سياسية من قبل الجماعات الاكثر نفوذا في الحرم الجامعي. وظلت تلك التجربة الطلابية المتقاعسة في الجامعات تعبر عن تجربة العرب السياسية في كل مكان من العالم، فهم اصحاب قضية عادلة لكنهم يوكلونها لمحامين كسالى. ووفق التقارير الآتية من الساحات الجامعية فان النشاط الطلابي العربي والمؤيد للعرب يحقق نجاحات جيدة تعكس نمو الوعي السياسي عند الطلاب بحقوقهم واستغلالهم لهذه الحقوق المشروعة لكسب الرأي العام في محيطهم لصالح قضاياهم. خلاصة الحديث ان معاداة الغرب عند بعضنا حل هين جدا، أهون كثيرا من العمل على تحديه بالكلمة والعمل السياسي السلمي المشروع، في حين ان مجتمعا كبيرا ومفتوحا كما نرى في الولايات المتحدة وكندا خاضع للنفوذ الصهيوني بسبب الغياب العربي الذي يمكن تغييره عندما توجد الارادة.