الحوار الذي يحتاجه العراق

TT

سيفعل الائتلاف العراقي الموحد خيراً إن هو أعلن اليوم، حسب آخر وعد له، اسم مرشحه لرئاسة الحكومة الجديدة. وسيفعل الائتلاف والتحالف الكردستاني خيراً أكبر إن هما أنجزا من دون إبطاء مشروعهما المشترك الذي سيتقدمان به الى الكتل الاخرى بشأن تشكيل هذه الحكومة التي يفترض ان تكون حكومة وحدة وطنية.

وسيفعل الائتلاف والكردستاني والكتل الاخرى خيراً مضاعفاً إن هي اقبلت على الحوار في ما بينها بشأن هذه الحكومة بروح ايجابية بنّاءة تساعد في الاسراع بتشكيل الحكومة المنتظرة.

مرّ وقت طويل (شهران) منذ إجراء الانتخابات البرلمانية.

وفي ضوء تجربة العام الماضي لا بدّ ان نتوقع مرور عدة اسابيع اخرى قبل وصول ماراثون التشكيل الوزاري الى خط النهاية، خصوصا ان الكردستاني سيكون هذه المرة اكثر حذرا حيال اي اتفاق مع الائتلاف بعد التجربة غير الحلوة مع الحكومة المنتهية ولايتها.

كما ان الطرفين (الائتلاف والكردستاني) سيواجهان هذه المرة مفاوضا صعبا، هو تكتل الثمانين نائبا (جبهة التوافق والقائمة العراقية والحوار) ذو المطالب الكثيرة.

الاوضاع في العراق لا تتحمل ان تتعامل الكتل البرلمانية المختلفة مع موضوع الحكومة الجديدة كما لو انه احد موضوعات الجدل البيزنطي في مجلس للمتنعمين والشبعى فتأخذ راحتها في المجادلات وجس النبض والاتفاق في الليل على شيء والتنصل منه في صباح اليوم التالي كما حصل في السابق، وخصوصا في مفاوضات مسودة الدستور.

الاستحقاق الحكومي ملّح للغاية، فقد ضاعت من عمر العراقيين سنة اخرى اضيفت الى السنتين اللتين سبقتاها، بل الى ربع قرن ضّيعه صدام بكلفة باهظة الى ابعد الحدود.

وبقدر ما هو مهم ان تكون الحكومة الجديدة واسعة التمثيل، سياسيا واجتماعيا، مهم ايضا ان يُنجز هذا الاستحقاق في اقصر وقت ممكن للانطلاق في تنفيذ البرنامج الذي ينتظره العراقيون جميعا بصبر مرير وعن حاجة ماسّة، وهو برنامج اعادة الإعمار ليس اقتصاديا وحسب، بل سياسيا واجتماعيا وثقافيا ونفسيا كذلك.

الروح الايجابية البناءة المطلوبة في الحوار الذي سيبدأ بعد اعلان اسم المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة تتمثل في ان يضع المتحاورون جميعا حساسيات الماضي وحزازاته وضغائنه ومناكفاته جانبا، وفي ان يأخذوا في الحسبان ان السنوات الاربع القادمة هي سنوات تأسيس للدولة العراقية الجديدة، وهي سنوات تكوين الرصيد الشعبي الحقيقي، وان هذا الرصيد، وليس القوات الاجنبية او الميليشيات او القوى الاقليمية، هو مصدر القوة للمستقبل.

ليس من الصحيح ان يعمل أي من المتحاورين على اساس الحصول على كل ما يريد.

وليس من الصحيح ايضا ان يعمد الى عدم تمكين الاخرين من الحصول على ما يستحقون ليستحوذ هو على كل ما يستحق وما لا يستحق.

يتطلب الامر ان يُقبل المتحاورون على حوارهم بروح التواضع التي تمكّن السياسي من اتخاذ مواقف مرنة تساعد في عقد التسويات التي لا يمكن بلوغها من دون تقديم تنازلات متبادلة.

ويتطلب الامر ايضا ان يدرك المتحاورون الذين يتعين عليهم ان يقدموا التنازلات انهم انما يقدّمون تنازلاتهم الى الشعب والوطن ومن اجلهما.

نعرف ان الامر ليس بهذه السهولة، فالطبقة السياسية النافذة في العراق ليست كلها على هذا القدر من الوعي والادراك، فهي نشأت وترعرعت في مجتمع غير ديمقراطي، وهي كانت ضحية لنظام جائر لم يمكّن العراقيين من حياة اجتماعية وسياسية سوية.. بيد اننا نراهن على شخصيات داخل هذه الطبقة، من مختلف الكتل والقوى، نعرف انها تقدّم الهمّ الوطني على الهمّ الشخصي والحزبي وتنظر الى المستقبل برؤية واضحة.

[email protected]