هل أنت مع نورا أم ضدها؟

TT

فليعذرني القراء إن أهديتهم اليوم بعض الحيرة، ووضعتهم أمام زوجة اسمها «نورا» وأخرى اسمها «الفنج» يتشابهان في الظروف المحيطة بهما ويختلفان في الاختيار، وبطل هذه الحيرة المفخخة هو الكاتب المسرحي النرويجي «هنريك أبسن» الذي يعد الأب الحقيقي للمسرح الحديث، والذي نال أكبر قسط من شهرته عبر مسرحيتيه «بيت الدمية» و«الأشباح»، الأولى تناقش قضية امرأة اسمها «نورا» تتمرد على القالب الأنثوي التي تكون فيه المرأة مجرد دمية يلهو ويعبث بها الرجل، فتسعى إلى تحقيق ذاتها بعيدا عن ظلال السلطة الذكورية للرجل، وتغادر بيت الزوجية غير عابئة بالتزاماتها كأم وزوجة، معتبرة أن تحقيق ذاتها أهم من واجبها الاسري.

وقد جلبت هذه المسرحية على أبسن عواصف من الغضب، وجميعها تطالب المؤلف بتعديل الخاتمة، وأن يجعل البطلة نورا تؤثر خيار البقاء قي ظلال الأسرة إذا ما أراد لمسرحيته أن تتاح لها فرصة العرض، لكن هذه الانتقادات دفعت أبسن إلى أن يقوم بتأليف مسرحية أخرى بعنوان «الأشباح»، تتكرر فيها كل الظروف وتتشابه المواقف، ولكن تختار الزوجة «الفنج» موقفا مغايرا لموقف «نورا»، فهي تختار في النهاية أن تقف إلى جانب زوجها وأطفالها، مؤثرة التضحية بطموحها الذاتي من أجل أسرتها وأبنائها، لكن دهاء «أبسن» لم يدع المناسبة تفوت دون أن يلعب بالنهاية ليجعل من تلك المرأة بعد ذلك نهبا للإحباط وصولا إلى تخوم الهزيمة.

وبالتأكيد فإن هنريك أبسن لم يبتدع هذين النموذجين الإنسانيين، ولكنه التقطهما من واقع الحياة، فثمة مثيلات لـ«نورا»، وكذلك شبيهات لـ«الفنج» في مختلف العصور والمجتمعات، فنحن في الغالب أمام نموذجين من النساء يشتركان في حالة الابتلاء بزوج تتضخم لديه عقدة التفوق الذكوري، وبالتالي فإما أن تثور المرأة على ذلك الواقع وترفض استمراره، وإما أن تستسلم خضوعا للتقاليد وأنساق الحياة الاجتماعية.

ومنذ أن قرأت هذين النموذجين قبل سنوات وأنا أتوق إلى إشراك الآخرين في الرأي حول النموذج الأكثر إيجابية، هل هو ذلك الموقف الرافض الذي تمثله «نورا» بكل ما فيه من ثورة وتمرد أم ذلك الذي تمثله «الفنج» بكل ما احتواه من تضحية وإيثار؟

وها أنا أطرح الأمر بين يدي قراء الصحيفة، وأسألهم هل تؤثرون أسلوب نورا أم الفنج، ولا تسالوني عن رأيي فأنا لم أرس تجاه هذه الإشكالية على بر، فتارة أكون مع سلمى وحينا مع «أم الخير»، وكل ما أفعله الآن أن أهديكم شيئا من القلق الذي أهداني إياه هنريك أبسن، فمن العدل أن نتقاسم الحيرة.

[email protected]