المسكوت عنه في مسألة الكاريكاتير

TT

مطلوب منك قبل أن تقول رأيك، حتى قبل أن تعلن غضبك، وتعليقك حول ردود الأفعال للرسومات الكاريكاتيرية التي تهجمت على النبي عليه السلام، مطلوب منك أن تعلن لهم بأنك تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممنوع أن تقول رأيك في حدث سياسي دون أن تجدد العهد ـ علنا وأمامهم ـ للرسول عليه السلام، تتساءل بعبط: لماذا أعلن حبي للرسول أمامهم؟ فهم ليسوا وكلاء عنه، ولا مفاتيح للقلوب لديهم، ولا يفرقون بين من يحب الرسول حقا، وبين من يرى في مادة التهجم القبيحة على أفضل الخلق مناسبة للتكسب السياسي.

منذ متى ومحبة رسول الله تتطلب الإعلان عنها أمام هؤلاء؟ من هم هؤلاء بربك الذين يفرضون عليك أن تعلن أمامهم حبك لرسول الله؟ صحيح بأني لا أكرههم، ولكني لا أحبهم أصلا، فكيف أبيح لهم ما في قلبي من حب لحبيب الله محمد؟

لقد تجاوز الخوف الدنمارك، ووصل إلينا هنا، فمن كان صادقا في غضبته على الرسوم المخزية، عليه أن يعبر عن تلك الغضبة بطريقتهم هم، عليه أن يحرق ويدمر البعثات الدبلوماسية، وأن يعمل على نشر فتوى شيخ كويتي بإهدار دم صاحب الرسومات. أحد الكتاب الكويتيين علق بألم: هناك أكثر من اثنتي عشرة رسمة لاثني عشر رساما، مما يعني أننا بحاجة إلى اثنتي عشرة فتوى إهدار دم!! ولو أحصينا كل التعديات، لاحتجنا إلى آلاف الفتاوى الدموية.

يتساءل عاقل آخر: نحن نرفض أن يلصق العالم تهمة الإرهاب ضدنا جميعا ـ معشر المسلمين ـ وأن نؤخذ بجريرة بن لادن، وأن نعاقب جميعا كمسلمين لأن بيننا قلة قليلة على شاكلته، فلماذا نريد معاقبة شعب الدنمارك بأكمله من أجل صحيفة مغمورة؟ لا إجابة.

يضيئ عقل الشيخ العبيكان حبا في الرسول، ودفاعا عن العقل، فيقول قولا آخر غير المقاطعة.. تمتلئ ساحات الانترنت له نقدا مقذعا.

وجدت , كأحد المدافعين عن سورية , حرجا في الدفاع عما جرى في دمشق، العالم كله ـ لسبب غير معروف ـ يرفض أن يصدق أن المظاهرات التي خرجت في دمشق كانت تلقائية، وبأن قوات الأمن لم تستطع إيقاف المتظاهرين الذين اجتاحوا السفارة الدنماركية والسفارة السويدية ـ وكذلك سفارة تشيلي الواقعة في نفس المبنى، تتوقف: ما ذنب تشيلي؟ لا إجابة، المهم أن تعبر عن غضبك بطريقتنا، وإلا فإنك متواطئ ومؤيد للدنمارك... استطاعت قوات الأمن السورية أن توقف المتظاهرين الغاضبين من الوصول إلى السفارة الفرنسية!!

ما اسم الصحيفة، وما اسم الرسام؟ ومن شاهد منكم الرسومات؟ تتلعثم الإجابات، يزداد الحنق: إغضب مثلنا.

بعد يوم واحد، تجتاح بيروت مظاهرات تحرق المباني والكنائس، وتزامنت تلك المظاهرات مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية إحالة الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن. تعتذر الصحيفة، ويعتذر رئيس الوزراء، لكنه رفض مقابلة السفراء العرب في شهر أكتوبر (تشرين الاول) الماضي!! سوء تقدير، خطأ كبير، خير الخطائين التوابين!! ما المطلوب من الدنمارك؟ حتى الآن هناك إجابتان: الغوغاء تقول «حتى النصر»، وأصحاب الأجندات السياسية يجيبون بضرورة استمرار الاحتقان خدمة لتعميق الهوة مع الغرب لأنهم أعداء الإسلام والإنسانية والعروبة وسورية وإيران.

يتوالى عرض الرسومات المشينة في صحيفة نرويجية وأخرى فرنسية وجزائرية بل وصحيفة أردنية. ما العمل؟ نقاطع؟ كلا، لا نستطيع، نحرق السفارة النرويجية. لا يوجد لهم سفارة في بلادنا. تتناقل الهواتف الجوالة نكتة رقمية عن مظاهرة في عاصمة عربية خرجت وأحرقت السفارة السودانية، والسبب أنهم اكتشفوا بأنه لا يوجد سفارة للدنمارك في بلاد المتظاهرين!!

كوميديا سوداء تختزل المأساة حين يغيب العقل، وتسيطر الغوغاء والأجندات السياسية.

عفوا يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، أحبك يا رسول الله، ولكن بطريقتي، لا بطريقتهم.