الغضبة على الدنمارك: علامتا استفهام و تعجب..؟!

TT

ردود الفعل الإسلامية الغاضبة ضد الدنمارك من جزر الملوك الإندونيسية شرقا إلى تطوان المغربية غربا كانت لافتة للنظر من وجهة نظري . ويداخلني إحساس من رؤيتي لهذه الانتفاضة الاستثنائية التي اعترت الجسد الإسلامي والنظر إلى حجمها وقوتها وتأثيرها وتفاعلاتها وسعة انتشارها، أن قدرا إلهيا ما على كوكبنا الأرضي نفذ فعلا او على وشك ان ينفذ. وضخامة ردود الأفعال حقا ، يثير أكثر من علامة استفهام وتعجب..!؟

وأسارع فأقول،لا طاب عيشي ولا هنئت بحياتي لو قصدت أن ردود الفعل الغاضبة لم تكن بمستوى الإساءة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فالكاريكاتيرات الوقحة بالغت في الإساءة وتجاوزت في التحقير وتطاولت في النيل من نبي كريم، يفديه أكثر من مليار شخص بحياتهم وتغلغل حبه في سويداء قلوبهم. ولكن الذي عنيته أن تاريخنا المعاصر يحمل سلسلة من الإساءات للإسلام وقرآنه ونبيه ومعتقداته وسننه ورجالاته إلا أن ردود الأفعال نحوها بالتأكيد لم تكن بمستوى الغضب على هذه الرسومات السخيفة الهابطة.

فمثلا، ماذكر في الاخبار سابقا عن تمزيق المصحف الكريم وإهانته في سجون غوانتانامو الأمريكية، هو أيضا إساءة بالغة وجريمة لا تغتفر، وإهانة كبيرة لا تقل شناعة عن الرسومات الدنماركية المسيئة، ومع ذلك لم تكن ثمة مقارنة بين ردود الفعل في العالم الإسلامي تجاه أمريكا كتلك التي ضد الدنمارك، مع أن الإهانة الأمريكية أسوأ لأن أحداثها جرت في موقع رسمي تابع للجيش الأمريكي، والإساءة الدنماركية صدرت من صحيفة شعبية عادية! ولا أظن أن من الأدب ولا العقل ونحن في معرض التفريق بين الجريمتين الأمريكية والدنماركية، وردود الأفعال تجاههما، أن نفرق بين الإساءة لخير البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والإساءة لخير الكتب القرآن الكريم.

ثم ان الغضبة الإسلامية على الدنمارك هذه المرة اختلفت عن الغضبات الأخرى التي اعترت العالم الإسلامي تجاه إساءت غربية مشابهة، هذا الفرق هو في تفعيل المقاطعة الاقتصادية الشعبية في عدد من الدول الإسلامية التي عبرت عن غضبتها الشديدة، من خلال عمل منظم ودءوب ومؤثر لمقاطعة المنتجات الدنماركية، هذه المقاطعة الاقتصادية الإسلامية اخذتها الشعوب الإسلامية الغاضبة بيدها وبمحض إرادتها ولم تنتظر تأييد حكوماتها، كما أن الحكومات لم تتدخل أصلا في هذه المقاطعة، بل يبدو أن ردة الفعل الجماهيرية القوية هي التي دفعت بعض الحكومات الإسلامية لتتحرك بقوة نحو الاحتجاج ضد الدنمارك، فهي إذاً مقاطعة شعوب إسلامية غاضبة لدولة لم تفهم مقدار الإساءة التي لحقت بالعالم الإسلامي كله، ولا هي ثمنت فعلا خطورتها وأبعادها وتأثيراتها.

ومع أن من نافلة القول أن نخطئ اعمال العنف التي صاحبت ردود الأفعال الغاضبة كإحراق السفارات في كل من دمشق وبيروت التي لا يجوز تبريرها لا شرعا ولا عقلا، إلا أن حوادث العنف هذه تعطي دروسا بالغة التأثير لمن يحتقر مقدسات البشر بدعوى الحريات وأنه بتأييده عنها يلعب بالنار, بل إنه بهذه التصرفات الاستفزازية يعرض السلم العالمي للخطر حتى ولو سمحت له الحريات والقوانين في بلده، والدليل ما جرى في دمشق وبيروت، فليس كل أمر تسمح به الحريات بالضرورة أن يمارس، ولهذا قال أحد الصحفيين الغربيين في معرض انتقاده للصحيفة الدنماركية إن الحريات تجيز لأي شخص أن يصرخ بأعلى صوته (النار) ، لكن سيتعرض للمساءلة والعقاب إذا صرخ بها في مسرح مكتظ بالبشر، لأنه سيعرضهم للتدافع والموت طلبا للنجاة، ولهذا فهم البريطانيون الأذكياء رسالة الغضب الإسلامية، فلم تنشر صحفهم هذه الرسومات المسيئة وانتقدتها مع أن بريطانيا تعتبر نفسها حامية الحرية وعرين الديمقراطية.

أما مدافعة بعض الغربيين ـ ومعهم بعض المستغربين ـ عن السخرية بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بدعوى حرية الرأي، فهي فقاعة كبيرة من السهولة أن توخز بدبوس (المحرقة النازية لليهود) والتي لا تسمح كل حريات أوروبا لأحد أن يشكك في أرقامها ناهيك من أن يسخر منها أو ينفيها، كما أن (العداء للسامية) دبوس آخر يصلح للوخز مع أن ساميتنا لم تنفعنا معشر العرب، فلنا الانتماء لها وعلينا كل انواع الاحتقار والإساءة والسخرية.

[email protected]