كائن متسلط

TT

يحترم المثقف العربي كثيرا كلمة «النخبة»، ويتطلع الكثير من المبدعين والمثقفين لوصفهم بكُتاب النخبة أو مفكري النخبة أو فناني النخبة.

وكلمة النخبة في رأيي، ليست سوى تعبير آخر للسلطة. السلطة بمعناها المطلق لا السلطة التي ينحصر معناها في الحكم وادواته المعروفة.

السلطة في عالمنا ليست مجرد حكومات وأجهزة ومؤسسات ترتبط بالحكم، ولكنها تتعداها لتشمل كل أوجه النشاط في حياتنا العقلية.. ولعلي لا أكون مبالغا لو قلت بأن السلطة بمعناها التقليدي، كثيرا ما تتمتع بقدر أكبر بكثير من التسامح والتفهم الذي تتمتع به السلطة في مجالات حياتنا الأخرى.

إن النخب الثقافية تمتلك سلطة شبه مطلقة في عالم الفكر والابداع، وهذه أخطر انواع السلطة على المجتمع.. فالنخب الثقافية لدينا هي التي تصدر صكوك الاعتراف بمواهب المبدعين وهي التي تجيز فعليا الأعمال وتمنح الاشخاص حق مزاولة الابداع.. والمصيبة ان سلطة هذه النخب ليست مستمدة من قانون غاشم، ولكنها تستمد مشروعيتها وفاعليتها من سلطة فكرية أو معنوية هي في الواقع أكبر تأثيرا وأشد وقعا في نفوس الناس، من سلطة القانون. والآن يعترض المبدعون العرب على ظهور نخبة جديدة تمتلك سلطة اخلاقية تخولها ممارسة الوصاية على نتاجات المبدعين.. والحقيقة ان هذه النخبة الجديدة التي تستمد مشروعيتها وتمارس سلطاتها باسم الاخلاق والتقاليد، ليست سوى وجه آخر للسلطة التي تمتلكها النخب الثقافية التي تستمد مشروعيتها وتمارس سلطاتها باسم الفكر والابداع.

المثقف العربي كائن سلطوي ومتسلط حتى العظم، ومعظم اشكال المعارضة التي تبديها النخب الثقافية تجاه انظمة الحكم هي مجرد صراع هدفه انتزاع السلطة والوصاية على الناس من السلطة الفعلية لصالح النخب الثقافية.