حلف العسكر والحاخامات في إسرائيل يعمل لإشعال حرب دينية عالمية

TT

ضمن أخبار «شارون» التي تلقتها وسائل الإعلام في الأسبوع المنصرم، خبر يجب أن تُكتب كلماته بحروف التاج وتوضع تحتها خطوط حمراء تذكّر بالدم.

إنه خبر اصداره تعليمات للجهات الإسرائيلية المختصة باتخاذ التدابير، التي تؤمّن لليهود حق الصلاة في المسجد الأقصى المبارك. وجاء في بيان صدر عنه أنه يدافع عن حق أفراد مختلف الديانات في الوصول إلى جبل الهيكل (هكذا).

وقيل إن لجنة إسرائيلية تحمل اسم «لجنة جالوسكا» (اسم أحد كبار المسؤولين في وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلي)، قد أوصت بحظر دخول المسلمين إلى الحرم القدسي ما لم تتوقف أعمال الترميم التي تجريها مصالح الأوقاف والهيآت الإسلامية داخل المسجد. ومضت اللجنة إلى أكثر من هذا، فأوصت بإنزال الحكومة الإسرائيلية العقوبات الصارمة على الأوقاف الإسلامية، وعلى السلطة الفلسطينية، وعلى الحركة الإسلامية، إذا لم تتوقف حالا عمليات ترميم المسجد. وحددت اللجنة من بين العقوبات الموصى بها عقوبة حظر دخول المسلمين إلى الحرم القدسي.

لا ينبغي أن يضيع في خضم الأخبار العالمية هذا النبأ العظيم الذي لا يختلف أحد على تقييم خطره البالغ، أو أن يُنظر إليه على أنه مجرد حرب أعصاب عابرة شنها «شارون» على المسلمين ولن يُتبع فيها الأقوال بالأعمال.

لا، ليس الأمر كذلك، لأنه صادر عن رئيس حكومة يُفرض فيها أن تكون واعية لمسؤولياتها مدركة لعواقب قراراتها، لكن «شارون» ليس من هذا الصنف من المسؤولين. فمنذ كان وهو رجل المغامرات الدموية، ولم يكن قط رجل دولة مسؤولا تمضي خطواته على وتيرة محسوبة الإيقاع.

إننا نراه يخوض حرباً شرسة لا هوادة فيها ضد شعب فلسطين لا أصنفها بوصف لأنها مستعصية على التوصيف. لذا، لن نفاجأ إذا ما نفذ مغامرة احتلال المسجد الأقصى وحتى هدمه ليقام هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه لا سمح الله، ولينسب إليه التاريخ هذا «الإنجاز العظيم».

قام «شارون» بمحاولة اقتحام حرمة المسجد الأقصى تحميه مآت الجنود مدججة السلاح، ولم يكن آنذاك مسؤولا في الحكومة، ففجر الانتفاضة وحمّله الرأي العام الدولي مسؤولية اندلاعها. واليوم وهو على رأس الحكومة، ما زال يجترّ عظم هذه المسؤولية وما ترتب عليها من شجب وتنديد لتصرفه. ويريد أن يقول اليوم، إنه إنما حاول ممارسة حقه في زيارة المسجد وإنه يعمل ليمارس اليهود جميعا هذا الحق المزعوم، ولا يهمه أن يقوم رد فعل غاضب على إسرائيل كلها. فهذا أهون عليه من أن ينفرد بالتنديد والإدانة.

عندما يقول «شارون» إنه يريد تأمين حرية العبادة في المسجد الأقصى لجميع الديانات، يعلم في نفس الوقت أن رجال الدين المسيحي لن يخترقوا حرمة المسجد، ولن يُفتوا بإقامة صلاتهم فيه. والتاريخ يشهد أن المسيحية والإسلام عاشا في فلسطين بعد أن أصبحت أرضاً إسلامية في سلام دائم واحترام متبادل لأماكن عبادة كل واحد منهما.

إن المراد بالديانات على لسان «شارون» هو الديانة اليهودية ليس إلا، ومن حقنا عليه أن يجيبنا على هذا السؤال: «أيقبل أن يصلي المسلمون والمسيحيون في حائط المبكى لممارسة حقهم في عبادة الله فوق كل ارض ومكان؟».

إنه لا يستطيع أن يجيب عن سؤالنا هذا إلا بلا، لأن من بين معتقدات اليهود تحريم سكنى غير اليهود بالقدس، وبالأحرى لا يقبلون أن يتبادلوا مع الغير حق إقامة الصلوات في أماكن مشتركة. هذا مع العلم أن ما يسمى اليوم بحائط المبكى يسمى عند المسلمين حائط البُراق، من حيث انطلق معراج النبي محمد (عليه السلام).

إن الإسلام أوضح حقيقة تميز بها هي دعوته إلى التسامح والتعايش مع معتنقي الديانات الأخرى، وأرجو أن يستمع «شارون» إلى ما أوصى به أبو بكر الصديق، أول خليفة للنبي محمد (عليه السلام)، المجاهدين المسلمين عندما كانوا يتأهبون لفتح أقطار وممالك خارج الجزيرة العربية لتبليغها رسالة الإسلام إذ قال لهم: «وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع (أماكن العبادة) فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له».

كما أرجو أن يسمع «شارون» ما جاء في التاريخ من أن الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب) تلقى دعوة من أهل القدس لزيارتها سنة 636م ليسلموه المدينة التي تبنى عدد من سكانها الإسلام، وأنه استقبل من لدن بطريرك القدس «صفرونيوس» وسلمه مفاتيح المدينة وطلب منه أن يصلي في كنيسة القيامة، فرفض ذلك خوفاً من أن تؤدي صلاته بها إلى تحويلها إلى مسجد من لدن المسلمين الفلسطينيين. وقد أعطى عمر بن الخطاب عهداً أو وثيقة أمان للبطريرك المذكور عرفت في التاريخ باسم العهدة العمَرية. تعهّد فيها للمسيحيين باحترام كنائسهم وعدم المسّ بصلبانهم. فليتعلم شارون دروسا عن التسامح الديني من الإسلام إذا كان لا يجده في اليهودية كما يفهمها هو وبعض حاخاماتها.

ولا اعتقد أن اليهودية الحق التي جاء بها موسى عليه السلام تدعو إلى التطرف والغلو، أو تحث على التعامل مع غير اليهود بالعنصرية والعدوان والكراهية. وقد أبرز الله في القرآن أن بعثة موسى كانت رحمة ولم تأت نقمة على العالمين فقال: «ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة».

وقد تجاوزت إسرائيل الحدود عندما أصدر منذ أيام الحاخام المتطرف يوسف عوفادية «فتوى» حض فيها اليهود على قتل العرب الذين نعتهم بجنس الأشرار الذين أجاز الله قتلهم وإبادتهم جماعياً، وزاد أن قتل العربي شعيرة دينية ينال عليها «المجرم القاتل» حسن الثواب!.

وقبل هذا التصريح سبق لهذا الحاخام الدموي أن دعا إلى قتل الفلسطينيين لأنهم خنازير وليسوا بشراً!.

ولقد تبين أن شارون إنما ينفذ ما أفتى به الحبر اليهودي الذي يوزع صك الغفران والثواب لليهود الذين يرتكبون جرائم القتل لغيرهم.

لو صدر مثل هذا التحريض على القتل من داعية إسلامي لقامت قائمة الغرب دون أن تقعد، ولقامت إحدى الدول العظمى بقذف قنابل ذكية أو غبية على البلد الإسلامي الذي يوجد فيه المفتي الإسلامي، لكن كل هذا لن يكون، لأنه لا يوجد من بين المسلمين من يصدر عنه في حق اليهود ما أفتى به الحاخام في حق غير اليهود من مسلمين ومسيحيين ولا دينيين، فكلهم محكوم عليهم بالموت في منطقه وحسب دينه.

وإذا ما تمادى شارون وعوفادية، أو حلف العسكر والحاخامات، أو حلف القوة والدين في اللعب بالنار، فستكون لذلك ردة فعل يدخل بها العالم في زوبعة لا يُعرف لها لا أول ولا آخر، إذ سيفجر هذا التوجه العدواني حرباً دينية عبر العالم للانتقام من اليهود ومنشآتهم الدينية وستُهدر فيه دماء اليهود حيثما وُجدوا.

لذا ينبغي للمجتمع الدولي بكافة منظماته، أن يبادر إلى الضغط على إسرائيل لتقوم بمراجعة مفاهيمها لكراهية الديانات والأجناس الأخرى، وأن تستنكر المجتمعات المدنية عبر العالم توجهات إسرائيل العنصرية الدينية، كما يفهمها عوفادية وشارون ويطبقها هذا الأخير منذ أسابيع في حربه ضد شعب فلسطين.

وللجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي دور طليعي في هذا المجال، إذ عليهما أن يقوما بتحسيس العالم بخطورة المنعطف المظلم الذي يتجه فيه شارون وعوفادية على غير هدى. ولينسِّق المسلمون والمسيحيون، ومن يرغب من المعتقدات في ذلك، جهودهم لإعلاء كلمة التعايش والتسامح بين الديانات والمعتقدات. ولتتوجه الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى هيأة الأمم المتحدة لمطالبتها بالنظر في مواقف إسرائيل المنذرة بحرب دينية عالمية. وليتحمل مجلس الأمن مسؤوليته كاملة، حتى تتجنب البشرية الوقوع في حمأة الحرب الدينية التي لن تعرف فظاعتها حدا تقف عنده. والوقاية أفضل من العلاج.