الشعراء في إخوانياتهم

TT

يوجد في منطقة الاعظمية في بغداد شارع معروف باسم شارع عنترة بن شداد العبسي. لا ادري لماذا سمي بهذا الاسم، فليس فيه شيء من القوة او البأس او البطولات. كنت اعيش على جانب منه ولا اتذكر من ذلك شيئا فيه، والا لانتقلت الى ناحية اخرى من بغداد. كل ما اتذكره منه ان عشاق الاعظمية اعتادوا على ارتياده. ولربما كان هذا هو السبب في تسميته باسم شارع عنترة بن شداد. فمن يجرؤ في العراق على التبختر في الشارع مع حبيب له يحتاج بدون شك الى بأس عنترة بن شداد وبطولاته.

بيد ان امانة العاصمة حملت التسمية محمل الجد وكلفت احد النحاتين بصنع تمثال لعنترة بن شداد يوضع في مقدمة الشارع تخليدا لذلك البطل العربي. وشاء الحظ ان يكون ذلك النحات من اصدقاء الشاعر خالد الشواف، الذي مر بالتمثال فراعه ما رآه من مسخ وتفاهة وضعف في الاخراج. لم يتمالك غير ان يوجه لصاحبه هذه الابيات يهجوه ويداعبه فيها:

اسأت لعمري الى عنترة

وصيرته في الورى مسخرة.

رفعت له نصبا لو رآه

صاحبه ـ لا رأى ـ انكره.

ولو ان عيلته يوما رأته

لولت، وما عقبت مدبرة.

اهذا (المقنزع) كالبلـ ...

وان مسخا بقبعة عنترة؟.

اهذا الذي يشبه (المانيكان)

عنترة البطل القسورة؟.

>>>

فتى البيد، حامي الزمار، النجـ ..

يد، صالي ملاحمها المسعرة.

وهذا الذي نط من تحته

وشال، كان أمرءا اذعره.

حصان! كأحصنة (الزنبرك)

على نابض في الهوا طيّره.

اهذا هو الفن نبض الحيـ..

اة، في عهد نهضته المزهرة؟.

عفا على الفن في جيلنا

اذا عاد يصنع بالمسطرة!.

كان ذلك في اغسطس (آب) سنة 1970. وما مرت اسابيع قليلة بعد ذلك، حتى وجدت امانة العاصمة نفسها مضطرة الى ازالة هذا المسخ من هذه المنطقة الشاعرية، فانهالت المعاول والفؤوس عليه بما لم يعرفه عنترة بن شداد طيلة حياته. ومن حينها تغير في ضمير سكان المنطقة اسم الشارع من شارع عنترة بن شداد الى مجرد «درب العشاق»، ولكن لم يجرؤ اي احد حتى الآن على اقامة تمثال للعاشق العراقي. ففي هذه الايام تغير العشق من عشق الحسان الى عشق الدولار.