عام لبنان في الإعلام

TT

يومان يفصلانا عن إحياء الذكرى الأولى لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وقد بدأ الإعلام اللبناني منذ أيام عرض برامج خاصة بالحدث وكذلك فعلت فضائيات عربية وعالمية كما خصصت الصحف تقارير وتحقيقات بالمناسبة. ويبدو هذا الاهتمام بتغطية الذكرى امتداداً لبروز الحدث اللبناني خلال العام المنصرم وهو ما يناقض الحجم الفعلي لهذا البلد، فلبنان غالباً ما كان يعتبر متلقياً للأحداث وتأثيراتها وليس صانعاً لها.

منذ الرابع عشر من فبراير (شباط) الماضي نادراً ما غاب ذكر لبنان عن أي وسيلة إعلامية أو مطبوعة عربية أو غربية، فقد كان سياق التطورات من القوة بحيث شكل مادة للتغطية والسجال الإعلامي والسياسي على نحو اتخذ أشكالاً حادة في كثير من الأحيان خصوصاً في الإعلام العربي.

كان اغتيال الحريري جريمة أكبر من حجم لبنان وكذلك كانت الأحداث التي تلته بصفتها صدى وترددات للحدث الكبير.

الإعلام الغربي من ناحيته وقبل الأحداث الأخيرة غالباً ما تناول لبنان من زاوية الصراع العربي الإسرائيلي وبالتالي كان «حزب الله» هو مركز الاهتمام، أما بيروت فقد كانت رمزاً فاقعاً لقسوة الحرب الاهلية، وشكلت هذه النظرة امتداداً طبيعياً لاهتمام الإعلام الغربي بقضايا مرتبطة بإسرائيل وتطرف بعض المسلمين وحربي أفغانستان والعراق.

بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري بدأ الحدث اللبناني وبعد صور التظاهرات الحاشدة التي سارت مادة جذابة للرأي العام الغربي وحصل لبنان على امتياز في التغطية لم ينله من قبل حتى خلال الحرب اللبنانية, بدت حشود اللبنانيين حاملين شعارات تنادي بالحرية والاستقلال والتي نقلت مباشرة على الهواء عبر القنوات العالمية أقل عنفاً من الصور المتواترة من العراق وفلسطين. والتناقض بين صور الفتيات الحديثات المظهر في التظاهرات وبين صور نمطية أخرى جذب الكاميرات. احتفل الإعلام الغربي بلبنان بصفته بلداً يقاوم من أجل حريته، وتعامل معه كضحية تقاوم شتى محاولات السيطرة والتطويع وكان مشهد الانفجارات والاغتيالات يعزز من صورة البلد بوصفه مستهدفاً.

من دون إغفال التوظيف السياسي للأحداث يمكن الحديث عن صورة مختلفة للمنطقة لاحت عبر المشهد اللبناني. صورة تنتمي إلى نوع من الوقائع لم يسبق أن شهدها محيطنا. كان الحدث الأوكراني قريباً فاستقبل الحدث اللبناني بصفته توأما للثورة البرتقالية في أوكرانياً. ورغم النكسات السياسية المتعددة التي حصلت إلا أن قوة تلك المشاهد بقيت ماثلة في الأذهان.

لكن وقبل أيام من إحياء اللبنانيين لذكرى الجريمة الكبرى، أي جريمة اغتيال الحريري نقلت الشاشات إلى الرأي العام الغربي مشاهد حية من مظاهرة الأشرفية والتي سارت بداية تحت شعار رفض الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي محمد وما لبثت إلى أن تحولت إلى أعمال عنف وشغب استهدفت السيارات والمنازل والكنائس ورفعت شعارات كادت تشعل صداماً أهلياً في البلاد.

وكأن أحداث الأشرفية أجهضت المشهد اللبناني الذي تكرس خلال العام المنصرم. وإذا أراد المرء أن يوغل في تشاؤمه فقد يقول أن مشاهد الأشرفية ربما كانت تصويباً لحقيقة المشهد اللبناني, إذ من غير الطبيعي أن نكون أبناء لهذه المنطقة وأن نتصرف بغير ثقافتها.

diana@ asharqalawsat.com